في الأردن نتميز دائما بريادة في الكثير من السياسات والقرارات ونقوم بعمل الأشياء بطريقة مختلفة عن كل العالم. بينما يتجه العالم للطاقة المتجددة ترفض شركة توليد الكهرباء طلبات تركيب خلايا شمسية من قبل المواطنين وربطها بالشبكة العامة وهي سياسة متبعة بنجاح في كل العالم ولكننا متميزون. مثال آخر على التميز الأردني هو الإصرار على بناء المفاعل النووي الأردني بالرغم من تراجع كل دول العالم تقريبا باستثناء الصين والهند عن محاولاتها لبناء هذه المفاعلات المكلفة والخطيرة.
بعد خمس سنوات من الإدارة والاتفاقيات والسفر والاطلاع على تجارب الدول الأخرى وإنفاق عشرات الملايين من الدنانير، ينطلق البرنامج النووي الأردني بقوة شديدة. ولكنه حتى الآن لم يستطع الإجابة عن خمسة أسئلة بسيطة وهامشية، وهي: هل هنالك كميات كافية من اليورانيوم في الأردن؟ أين هو موقع المفاعل؟ ما هي كلفته ومن سيغطيها؟ من أين سيتم تأمين المياه اللازمة للتبريد أثناء التشغيل الاعتيادي والحالات الطارئة، وأخيراً، كيف سيتم التخلص من المخلفات النووية؟ بعيداً عن هذه الأسئلة غير المهمة، كل عنصر آخر بات جاهزاً للتنفيذ.
بدأت عملية الترويج للمفاعل النووي عن طريق تصريحات مبنية على مرجعيات غير واضحة حول كميات اليورانيوم في الأردن، التي وصلت في بعض التقديرات إلى 70 ألف طن. لكن حسابات الحقل لم تتناسب مع حسابات البيدر، حيث انسحبت شركتا “ريو تنتو” و”أريفا”، وهما أكبر شركات التعدين في العالم، بعدما ثبت لهما عدم وجود كميات كافية من اليورانيوم. هذا لم يردع هيئة الطاقة الذرية التي استمرت في التصريح بوجود “كميات أكبر مما كان متوقعاً”، عن طريق استكشافات قامت بها شركة حكومية بعد انسحاب “ريو تنتو” و”أريفا” اللتين أكدتا انعدام كفاءة هائلاً في تقدير اليورانيوم
كلفة المفاعل، بحسب تصريحات الهيئة، ستصل إلى أربعة بلايين دولار. ولعلها تدرك أن المفاعل الوحيد الذي يتم بناؤه حالياً من النوع نفسه في فنلندا وصلت تكاليفه إلى سبعة بلايين يورو (9,3 بليون دولار) ولا يزال غير مكتمل. هذا طبعا في فنلندا، سيدة العالم في محاربة الفساد، حيث كل فلس يخضع للرقابة. فما بالك في بلادنا | لا أحد يعرف من سيدفع الثمن، ولكن آخر إبداع من هيئة الطاقة الذرية كان في تقديم طلب إلى مؤسسة الضمان الاجتماعي لاستخدام سيولتها النقدية من مدخرات العاملين للاستثمار في البرنامج النووي |
في ما يتعلق بمياه التبريد، لا توجد معلومات، ولكن الأمر يتعلق بالموقع الذي يتغير بين سنة وأخرى. كان الموقع المقترح الأول في مدينة العقبة الساحلية للاستفادة من مياه البحر في التبريد، ولكن بسبب نشاطها الزلزالي الكامن صُرف النظر عن الموقع بعد دراسات كلفت 30 مليون دولار. الخيار الثاني كان في منطقة المجدل في محافظة المفرق قريبة من أكبر محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي وهي محطة الخربة السمراء، وذلك من أجل استخدام هذه المياه في التبريد. ولكن يبدو أن العلماء القائمين على المشروع اكتشفوا أن من الصعب الاعتماد على مياه الصرف لتبريد مفاعل بطاقة ألف ميغاواط، وهذا طبعاً بعد دراسات مستفيضة وجولات ميدانية في العالم حيث تم فتح مزاد جديد للبحث عن موقع، وعادت العقبة مرة أخرى خيارا كبيرا |
أخيراً، لا أحد يعرف كيف سيتم التخلص من المخلفات “البسيطة” التي ستنتج عن المفاعل النووي، وهذا أمر لا يدخل في دورة الكلفة والإدارة والتشغيل التي يتم مناقشتها حالياً. ولا وقت لدى العلماء المختصين بالطاقة النووية الذين يديرون المشروع للتفكير في قضية جانبية كهذه، وربما يكتشفون أن هنالك حاجة إلى إنشاء مكب نفايات يعمل بطريقة الطمر للتخلص من هذه المخلفات غير الخطرة بأقل كلفة وأبسط تكنولوجيا ممكنة |
البرنامج النووي الأردني أصبح تجربة مكلفة جداً، إذ تستنزف عشرات الملايين من موازنة دولة تعاني من ضائقة اقتصادية وتحديات سياسية شديدة.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باتر محمد علي وردم جريدة الدستور
|