في مرحلة ما ربما قبل اشهر أو اسابيع، وبدون أن يعير العالم انتباها واضحا دخلت “الثورة السورية” في منعطف جديد ومسار خطير حولها من “ثورة شعبية من أجل الحرية” إلى “حرب أهلية وطائفية” تداخلت فيها عدة جهات وتنظيمات إلى حد الفوضى المطلقة والانحدار السريع نحو أدنى درجات الأخلاق الإنسانية.
لم يتغير شيء على النظام السوري. انه يستمر في ارتكاب الجرائم وحصار مواطنيه وقصفهم بالطائرات ومعاقبتهم بشكل جماعي واستهدافهم طائفيا وسياسيا، ولكنه لم يعد الجهة المجرمة الوحيدة في الساحة لأن التنافس على هذا اللقب أصبح مفتوحا وشرسا الآن بعد التنامي الخطير لقوة التنظيمات الإسلامية المتطرفة وأهمها الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وجبهة النصرة وغيرها والتي بدأت في استهداف الجيش الحر والمعارضة ذات الطابع السياسي غير المؤدلج.
لقد زادت حدة وبشاعة الجرائم الجماعية والفردية التي ترتكبها التنظيمات الجهادية المتطرفة في سوريا والتي بلغت ذروتها في مذبحة اللاذقية التي سقط فيها حوالي 200 قتيل من الطائفة العلوية في هجوم شنته عدة تنظيمات مسلحة على القرى الواقعة في المحافظة ووثقتها منظمة العفو الدولية قبل ايام. الاستهداف المتكرر للمثقفين والمواطنين من اصحاب التوجهات المختلفة بات أمرا مستمرا في المناطق التي تسيطر عليها هذه التنظيمات والتي تدخل الآن في مواجهة ضارية مع تنظيمات معارضة أخرى جعلت من مسألة توحيد نطاق القوى المناهضة للنظام السوري أمرا شبه مستحيل.
لا تقدم التنظيمات المتطرفة للشعب السوري سوى الكوابيس والفوضى العارمة، وبات من المؤسف حقا أن التضحيات الهائلة التي قدمها الشعب السوري في مقاومته لبطش النظام أصبحت الآن وقودا استخدمته التنظيمات المتطرفة لإحكام سيطرتها على بعض المناطق وفرض توجهاتها على الناس وتحويل حياتهم إلى جحيم لا يختلف عما فعله النظام السوري من قبل.
من الوهم الاستمرار في الاعتقاد أن ما يحدث في سوريا حاليا هو معركة بين دولة غاشمة وثورة شعبية بالرغم من أن هذا هو السبب الرئيسي للصراع. الوضع الحالي أصبح حربا بالوكالة تخوضها عدة دول وقوى في المنطقة والعالم باستخدام السوريين والمقاتلين الأجانب وشحن التوجهات الطائفية والعقائدية والتي من شأنها إشاعة واستمرار الفوضى مما يحقق في النهاية مصلحة النظام الذي يكسب استراتيجيا من هذا الصراع.
لقد خاض السوريون معركة قاسية من أجل حقوقهم في الحرية والعيش الكريم والإطاحة بالنظام أو على الأقل إصلاحه لتأسيس دولة ديمقراطية وطنية ومدنية لجميع السوريين، ولكن تضحياتهم الكبرى قد تذهب أدراج الرياح أو تصبح أداة في تنامي نفوذ وقوة التنظيمات الإسلامية المتطرفة. لقد ثار الشعب السوري لأهداف نبيلة ولكن من يكسب الثمار هي داعش وأخواتها. إنها مأساة لا تقل بشاعة عن كل ما ارتكبه النظام السوري من جرائم بحق شعبه.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باتر محمد علي وردم جريدة الدستور