هشام شرابي وتحرير المرأة

"إن المستقبل قد لا يثمر إلا النزر القليل، مما نطمح لبلوغه؛ ما لم يصبح هدف تحرير المرأة، على رأس جدول أعمال حركة التحرر العربية، بكافة أشكالها".

هشام شرابي

في حوار أجراه معي د. محمد البوجي، للتلفزيون الفلسطيني، حول د. هشام شرابي؛ أحسست بأننا نحتاج إلى إلقاء مزيد من الضوء، على فكر الفقيد المفكر هشام شرابي: على تحليله الثاقب للنظام الأبوي، وللعلاقة ما بين المثقف والسلطة، وبالذات، لما يتعلق بتحرير المرأة.

تذكرت حديث المفكر، حول ضرورة الإصغاء للمرأة، خلال مؤتمر يتعلق بتحرير المرأة، "مائة عام على تحرير المرأة" (وهو مؤتمر عقد في شهر أكتوبر من العام 1999م، في القاهرة، بمناسبة ظهور أول كتاب، عن تحرير المرأة، للكاتب قاسم أمين (1865-1908)؛ حيث أشار هشام شرابي، إلى موقف سطحي للرجل إزاء المرأة، وهو أن الرجل، لا يصغي للمرأة، حتى لو سمعها، وأنه لا يفهم اللغة النسائية. ودعا إلى الإصغاء للمرأة، ذلك الإصغاء الذي لو أتيح لها، لقالت شيئاً مدهشاً. كان ذلك الحديث، ضمن جلسة المائدة المستديرة، حول "تهميش المرأة في التاريخ"، التي شارك فيها باحثون وباحثات، في حقل التاريخ، وعلم الاجتماع، والأنثروبولوجيا، والآداب، ضمن جلسات المؤتمر. طرحت قضية تهميش المؤرخين للمرأة، وتهميش المجتمع للمرأة، وكان الخيط الجامع للنقاش، هو أن كتابة التاريخ السياسي، هي كتابة لتاريخ المشاهير، والكبار، والطبقة الحاكمة. هو كتابة النخبة التي تتحدث عن النخبة؛ ما أدى إلى تهميش طبقات عريضة في المجتمع. وعندما بدأ الاهتمام بالتاريخ الاجتماعي بدأ الاهتمام بالمرأة.

وقد أكد هشام شرابي من خلال كتبه، وبالذات، في كتابيه: "مقدمات لدراسة المجتمع العربي"، و"النظام الأبوي وإشكالية تخلف المجتمع العربي"، على أهمية تغيير علاقة المرأة بالرجل، الذي يعني، تغيير دور المرأة في العائلة ومكانتها، وفي المجتمع؛ ما يتناسب مع أثرها الخفي في العائلة، وفي علاقتها مع الرجل كزوجة أو أم أو شقيقة أو جدة. "فهناك في المجتمعع العربي كما في سائر المجتمعات القائمة على سيطرة الرجل؛ ميل عفوي للإفراط في تضخيم دور الرجل، والتقليل من أثر المرأة".

لقد ربط هشام شرابي بين ثلاثة أنواع من الاضطهاد: اضطهاد الفقير واضطهاد الطفل واضطهاد المرأة. ويأتي الربط ما بين الطفل والمرأة، في سياق فرض وصاية المجتمع الأبوي، على كل منهما، تلك الوصاية التي تؤدي إلى العجز، والاتكالية، والإذعان، وتشكل عائقاً في سبيل الانطلاق والتحرر.

وإذا كانت المرأة العربية؛ هي صانعة الإنسان العربي؛ فكيف يمكن أن يتم التغيير؟ يجيب هشام شرابي، بأن شرط تحريرها، هو شرط لتحرير الإنسان، في المجتمع العربي، وبالتالي هو شرط لتحرير المجتمع بأكمله. واعتبر أن الحركة النسائية هي الأكثر أهمية؛ لأنها الأكثر ثورية، من حيث طاقتها الكامنة فيها، وجعل وعي الرجال لقضية المرأة؛ شرطاً للوصول إلى مستقبل أفضل للوطن العربي بأسره.

****

حين تحدث هشام شرابي، عن ضرورة الإصغاء إلى صوت المرأة؛ كان يتوافق مع المنظور النسوي، الذي يربط ما بين التاريخ الشفوي، والنوع الاجتماعي. وأعتقد أنه من الضروري، ليس فقط أن يستمع الرجال إلى صوت النساء بوعي؛ بل إن من الضروري أيضاً، أن تستمع المرأة إلى المرأة بوعي؛ ليس لضرورة تدريبية، أو أجندة استقطاب حزبية، خاصة في هذه المرحلة الصعبة من حياتنا السياسية، هذه الفترة السياسية الدقيقة، التي تستدعي قراءة هموم النساء بتمعن، وتبنيها، من أجل الضغط باتجاه مطالب النساء، التي تلبي مصالحهن الحقيقية، والنابعة من احتياجاتهن، والتي يمكن أن تسهم في تطورهن. وأعتقد أن هذا الإصغاء، يمكن أن يؤدي إلى تطوير للحركة النسوية، التي يمكن أن تلعب دورها التاريخي، وتحدث تغييراً جذرياً ديمقراطياً، يؤهلها لأن تصبح رأس حربة التغيير الاجتماعي والثقافي، كما تنبأ "هشام شرابي". هذا الدور، الذي يمكنها من التصدي لمظاهر الردة، التي أصابت حركة تحرير المرأة، إلى جانب صياغة ملامح مشروع جذري للمستقبل.



المراجع

miftah.org

التصانيف

ظواهر عالمية   مجتمع   العلوم الاجتماعية