هل الاعتصامات وحركات الاحتجاج الجماعية تساهم بتعميق الركود الاقتصادي والتسبب في ارتفاع نسب البطالة؟ بعض المحللين ربط بين تزايد عدد الاعتصامات خلال الشهور الماضية وبين بعض المؤشرات السلبية في الاقتصاد، ليؤسس لعلاقة وهمية ليس لها وجود، ولكنها تساعد المحلل في الهجوم على الحركات المطلبية الكثيرة المحقة في الأردن.
إن ثقافة العمل الجماعي والحركات المطلبية قديمة-جديدة في الأردن، ففي الماضي كانت هناك هياكل لمؤسسات العمل الجماعي، مثل النقابات العمالية ومؤسسات حماية المستهلك، لكنها لم تقم بالدور المطلوب بالدفاع عن منتسبيها، لأن دفاع تلك المجموعات عن نفسها كان يعني أن تصبح خارج أطر الوصاية الرسمية التي تدعي بأنها تدافع عن العامل الفقير أو المستهلك المظلوم من قبل كبار التجار والمحتكرين. وتعزز هذا النهج على مدى زمني طويل، بحيث أصبح من يدعي الدفاع عن تلك الفئات مستفيدا من الوضع القائم من خلال الامتيازات التي كانت تمنح لرؤساء النقابات والاتحادات وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني.
وما تطور على مدى العقدين الماضيين هو مؤسسات ضعيفة، ودولة غير قادرة على أخذ زمام المبادرة في الدفاع عن الفئات المستهدفة، ورغبة شديدة في عدم رؤية أي عمل جماعي منظم يمكن أن يتطور من نواح سياسية لأنه يعني استقلالية في بعض المؤسسات، والنتيجة هي تفرد بعض الفئات القليلة بمصائر الكثيرين.
وعندما أصبح الوضع لا يطاق، وحينما بدأت أشكال الاحتجاجات الجماعية تأخذ الأشكال التي يشهدها الأردن، اعتبر البعض أن هذا الخروج عن المألوف هو إخلال بتوازن قائم يجب الاستمرار به. ولا يرى هؤلاء أن الإخلال بالتوازن القائم هو أحد أسباب تفجر الثورات في العديد من الدول العربية التي تطورت فيها علاقات غير شرعية بين مؤسسات الدولة وبين طبقة رجال الأعمال.
والحقيقة أن الوسيلة الوحيدة لتغيير التركيبة السوقية القائمة لن تأتي إلا من خلال عمل المجموعات المختلفة (مهندسين، أطباء، عمال، وغيرهم) للدفاع عن مصالحهم والتفاوض لإقرار صيغ جديدة تحكم هذه العلاقات، وهذه هي الطبقة الوسطى التي تبحث عنها المجتمعات. وتلك المجموعات، هي التي تقود العمل السياسي المنظم ضمن أطر واضحة ومنافع ومصالح متبادلة. إن الاستمرار بالعمل وفقا للتوازن المختل القائم حاليا يعني الاستمرار بمعادلة انتشر فيها الفقر، والبطالة، والاختلال في توزيع الدخل، وأنظمة ضريبية لا تقترب حتى من فئات الدخل المرتفع، ومن الطبيعي أن يبدأ الحراك مطلبيا.
أخيرا، فإن حجة أن الاقتصاد يتقدم على السياسة باتت ضربا من الماضي، فالبطالة وإن كانت تتعلق بأعداد العاملين، والفقر وتوزيعه الجغرافي، وغيرها من الأمور ذات الصبغة الاقتصادية، هي نتاج إطار سياسي يحكم العلاقات في المجتمع، وآن أوان التغيير الجدي الذي يؤسس لعلاقات متوازنة تبتعد عن الوصاية على كل شيء. فلندع أصحاب المصالح يدافعون عنها، وهم الأجدر والأقدر، لكن ذلك يقترن بإرادة سياسية ما تزال مترددة في المضي في المشروع الإصلاحي الحقيقي. بعد كل ذلك، إذا توقفت الاحتجاجات.. هل سينتعش الاقتصاد؟
بقلم: إبراهيم سيف.
المراجع
alghad.com
التصانيف
صحافة ابراهيم سيف جريدة الغد