من حق المواطنين التساؤل عن طبيعة الأزمة المالية العالمية وكيف ستؤثر على حياتنا اليومية، فهؤلاء يشاهدون نشرات الأخبار ويستمعون الى التحليلات حول هبوط وول ستريت ومؤشرات المال حول العالم، لكن الغالبية العظمى لا يعنيها ذلك، فلا هي مالكة أسهم ولا هي مضاربة في تلك الأسواق، وتلك الفئات تهتم بانعكاسات الذي يحصل على سعر صرف الدينار والدولار، فيما يتساءل أصحاب الوديعة في البنك، هل هي بمأمن من تلك الانهيارات بالأرقام الخيالية؟
فيما يخص الودائع، فإن مؤسسة ضمان الودائع بحكم قانونها تضمن حدا أقصى بقيمة 10 آلاف دينار، وما تعدى ذلك فليس عليه خوف في المصارف الأردنية، وتاريخ الأردن الحديث علمنا أن البنك المركزي، وفي أسوأ الظروف المالية التي مررنا بها ورافقتها انهيارات مالية مثل بنك البتراء وبنك فيلادلفيا وبنك عمان، لم يتخل مطلقا عن واجبه في حماية حقوق المودعين في المصارف الأردنية. ولا يختلف الوضع الآن عما كان عليه في سنوات سابقة، بل على العكس فإن احتياطيات البنك المركزي والاحتياطيات الإجبارية المفروضة على البنوك التجارية التي تمت زيادتها خلال العامين الماضيين لامتصاص جانب من السيولة ضمن سبل محاربة التضخم قبل اندلاع الأزمة الأخيرة تشير الى وضع مصرفي مطمئن.
السؤال الثاني الذي يدور في أذهان الكثيرين من المودعين، والذي تعرضت له شخصيا، هو ما الذي نفعله بودائعنا، هل نتركها كما هي، هل نتحول تجاه عملات أخرى أم نتجه لشراء أسهم أو معادن؟ هذا التساؤل مشروع، لكن التنبؤ بحركات أسعارالعملات صعب، ففي الوقت الذي تتعرض فيه أميركا لإحدى أسوأ أزماتها المالية منذ العام 1930، حقق الدولار أعلى قيمة له مقابل اليورو منذ نحو 15 شهرا في الأسواق أول من أمس، وهذا الارتفاع مبرر بالنظر الى حاجة المصارف في العالم الى السيولة وعدم رغبة دول أخرى برؤية الدولار يتدهور، ما سيعيق تصدير دول مثل الصين واليابان الى الولايات المتحدة، كذلك فإن تلك الدول تحتفظ بما لا يقل عن 50 في المائة من أصولها الخارجية بالدولار. وكل هذه أسباب تجعل الدفاع عن الدولار مهمة عالمية أكثر منها أميركية.
هذا الواقع يشير الى أن الدولار سيظل متماسكا خلال الفترة المقبلة. ومع صعوبة التنبؤ، فإن أفضل سيناريو لمن يرغب في الحفاظ على قيمة الودائع يتمثل في تشكيل محفظة متوازنة من اليورو والدولار أو الدينار، هذه السلة التي لا تستهدف المضاربة ستساهم في الحفاظ على القيمة الاسمية، للمحفظة ولا تبقيها عرضة لتذبذبات عملة واحدة، أما خيار الدينار والدولار فهو واحد ولا يوجد خوف على قيمة الدينار او إمكانية تعرضه لهزة، لأن ما يجري لا يتعلق إطلاقا بسياسة سعر الصرف بل يرتبط أكثر بحركة أسواق المال والمبالغة في قيمها في بعض الأسواق.
وفي ظل هذه الأزمة ومع تراجع أسعار العديد من الأسهم، فإن خيار شراء بعض الأسهم في البورصة بناء على معطيات بعض الشركات المالية يعد خيارا جيدا، فطالما أن تلك الأسهم تتمتع بالقيمة العادية في السوق والأسعار السائدة تعكس متانة تلك الشركات وموجوداتها الحقيقية، فإن خيار الشراء والاحتفاظ بتلك الاسهم يعتبر صحيحا.
الأزمة المالية العالمية في جانب منها ستخفض معدلات التضخم وعلى الأرجح سيرافق ذلك تباطؤ في الأداء الاقتصادي العالمي، وهذا يعني أن القرارات التي تتخذ الآن يجب أن تكون ذات نفس أطول من المعتاد، ونذكر مرة أخرى أن الآثار السلبية لهذه الأزمة على دول مثل الأردن لن تظهر قبل نهاية العام, ورؤية كيف ستتعامل الدول ذات الفوائض المالية حيال ما يجري.
بقلم: إبراهيم سيف.
المراجع
alghad.com
التصانيف
صحافة ابراهيم سيف جريدة الغد الآداب