ترتفع نبرة الحديث عن سلبيات الإصلاحات الاقتصادية، ويستسهل فريق واسع الهجوم على السياسات التي اتبعت بدون التفريق بين سياسات كان من الصعب تجنبها وكانت ضرورية، وبين برامج كان الخطأ يكمن في تنفيذها.
ولسنا بصدد الدفاع عن تلك البرامج، ولكن لابد من تحديد مكامن الخلل. فهل الخطأ، مثلا، في تخصيص المؤسسات الإنتاجية التي كانت مملوكة للقطاع العام، أم أن "الخطيئة" كانت في سيطرة فئة قليلة على صناعة القرار، وبالتالي تنفيذ قرارات البيع بطريقة جعلت الأمر يبدو كمؤامرة؟ وجه الاعتراض ليس على المبدأ الذي بات عليه شبه إجماع، فمجال الدولة في التنظيم والرقابة وضمان المنافسة الحرة، وهذا نهج يجب أن لا نحيد عنه حتى مع وجود هجمة شرسة عليه من قبل فئات عديدة، تبتغي شعبية لكنها لا تقدم حلولا بديلة.
وللتذكير، فإن سيطرة الدولة على وسائل الإنتاج ساهمت في توسيع حجم القطاع العام في الأردن إلى درجة كبيرة لم يعد ممكنا معها السيطرة عليه، وما تزال العلاقة بين القطاعين العام والخاص ملتبسة، ونظرة سريعة إلى فرص العمل التي ولّدها الاقتصاد الأردني على مدى السنوات الثلاث الماضية تشير إلى استمرار التشغيل في القطاع العام وتضخمه، بدون ربط ذلك بموضوع الإنتاجية.
والمحور الثاني لبرامج الإصلاح كان يتعلق بتحرير التجارة الخارجية وتعزيز المنافسة، فهل يوجد من يقف ضد تطوير أجواء تنافسية تسمح بالتفاعل بين الفاعلين الاقتصاديين؟ الغائب كان المؤسسات التي يجب أن تضمن حالة التوازن؛ فالخلل كان اجتزاء البرامج إرضاء للمؤسسات الدولية التي تغاضت عن استكمال بقية المنظومة الإصلاحية، والحل يمكن في ضرورة استكمال الإصلاح وليس النكوص عنه والتراجع إلى سياسات كان السوق فيها مغلقا. وفي الحقيقة، فإن الطريق إلى مزيد من الإصلاحات لتفكيك الاحتكارات ما تزال طويلة، وتحتاج إلى برامج واضحة، لكن التردد، الذي هو سيد الموقف، لا يساهم في اتخاذ الخطوات الضرورية. وأمام الهجوم على تلك السياسات، تلجأ الحكومات إلى التأجيل.
وفيما يخص إصلاح المالية العامة، فإن الضرائب التي تم اتباعها، والتي قامت على الضرائب الموحدة وغير المباشرة وكان عنوانها ضريبة المبيعات، ثبت أنها لا تراعي الأبعاد الاجتماعية، وهو ما يعني ضرورة مراجعتها تجاه تطبيق مبدأ الضريبة التصاعدية، على أن يرافق ذلك شفافية وانفتاح فيما يخص الموازنة العامة. وهنا لابد من التذكير أن عجز الموازنة بلغ أدنى مستوياته حينما كان الأردن يطبق برامج الإصلاح الاقتصادي بإشراف صندوق النقد الدولي.
ما عاب فترة الإصلاح الاقتصادي هو التغاضي والافتراض الضمني بأن مشكلتي الفقر والبطالة ستحلان بشكل تلقائي، وهو ما يعني ضرورة التركيز على هذه المحاور بشكل خاص، وإبراز الإنجازات فيما يتعلق بهذين المؤشرين إلى جانب مؤشرات التعليم والصحة.
المطلوب هو تصحيح الخلل والنواقص في التجربة الماضية، والاستفادة من الدروس التي يمكن تعلمها، وليس الهروب من استحقاقات المرحلة الجديدة باللجوء إلى سياسات شعبوية قد تقود إلى مزيد من المشاكل، وغياب بدائل حقيقية للتعامل مع التحديات الاقتصادية. وبعد عقود من التغيير، فإن الرجوع إلى سياسات جربت سابقا وثبت فشلها يعني أننا لم نستفد شيئا من دروس الماضي، وأننا سنخوض في تجربة تحمل بذور فشلها، مع الفارق أن "الربيع العربي" ولّد ديناميكيات واستحقاقات مختلفة.
بقلم: إبراهيم سيف.
المراجع
alghad.com
التصانيف
صحافة ابراهيم سيف جريدة الغد