هل يجوز أن يتم إعداد وتمرير موازنة السنة المالية المقبلة بدون إعادة النظر في الآليات التي تعد بها الموازنة، وبدون تقديم مقاربة تنموية جديدة تتضمن بعض الأسس التي تعكس المزاج العام، والرغبة في الانتقال إلى مرحلة جديدة من التخطيط المالي، كما الانتقال من مرحلة الدولة الريعية إلى الدولة الإنتاجية؟
مشروع موازنة السنة المقبلة يعتبر تمرينا مكررا لما حصل في السنوات الماضية؛ فهناك تقديرات لحجم الموازنة بحوالي 7.5 مليار دينار، وهناك بند المنح الخارجية الذي يغطي نسبة العجز الحقيقي، ليضعها عند حدود 1.24 مليار دينار، هذا إلى جانب بنود الإنفاق الرئيسة التقليدية.
ومن المعلوم أن بنود الموازنة الرئيسة تتشكل من الرواتب والأجور، وخدمة الدين، والدفاع والأمن. وفي كثير من الأحيان، يطال الاقتطاع النفقات الرأسمالية. وهكذا، يصبح تمرين الموازنة تكرارا لسنوات سابقة، ولا يعكس المتغيرات الجديدة. والمطلوب في المرحلة الجديدة هو التفكير في الموازنة على نحو مختلف، بحيث تتضمن بعض الأهداف التنموية التي يمكن تحقيقها. فإنفاق 7.5 مليار دينار لا يمكن أن يستمر بدون خطة واضحة، وعلى مدى سنوات، للتعامل مع التحديات التي تواجه الاقتصاد الأردني.
أبرز هذه التحديات تدني الإنتاجية والمشاركة في سوق العمل. وهنا لا ندعو إلى زيادة التوظيف في القطاع العام، بل إلى التفكير في كيف يمكن ربط الإنفاق العام بعنصر التشغيل والتمكين للأردنيين. كذلك، يمكن وضع بعض الأهداف فيما يخص الإنفاق الاجتماعي، والفائدة الحقيقية المترتبة على هذا النمو، وهو ما يشمل التعليم والصحة. وإذا كانت هناك اعترافات بأن ثمة هدرا في الإنفاق العام، أفلا يقتضي ذلك بابا واضحا في الموازنة يوضح آلية لتحسين أداء الإنفاق العام، وكيف سيتم الحد من الهدر متى وجد، إلى جانب تحسين الحاكمية المتعلقة بالموازنة؟
لا يجوز أن نستمر في التعامل مع أهم وثيقة تنموية في الأردن، تصدر كل عام، على أنها عملية حسابية؛ إذ يتجاوز الأمر ذلك. فالدولة هي المستهلك الأكبر، والمشغل الأكبر، وهي التي تحدد شروط اللعبة الاقتصادية، ما يقتضي تجاوز الحدود التقليدية في إعداد الموازنة، بحيث تصبح هي المرجع الذي يحدد السياسات الاقتصادية خلال المرحلة المقبلة، وبما يتجاوز الإنفاق والإيرادات خلال عام أو عامين.
وإذا كان هناك اعتراف بأن الأردن يمر في أزمة، وأن هناك مستجدات إقليمية، مع ما يعنيه ذلك من تبعات مالية واقتصادية، فإن المكان الوحيد الذي يمكن أن تعالج فيه مثل هذه الموضوعات هو الموازنة وإطارها العام. كذلك، لا يمكن لنا توقع نتائج مغايرة من الموازنة الجديدة كونها لم تتضمن إطارا يشير إلى تغير في السياسات الضريبية والاستثمارية، أو التضمينية التي تعني التحول إلى مقاربة تنموية جديدة، تتجاوز عيوب وأخطاء التجربة السابقة.
نموذج التنمية القائم على الدولة المركزية، والذي ساد لعقود طويلة في العديد من الدول التي تشهد تغيرات وتحولات، عانى كثيرا من العيوب، أولها أن النمو المتحقق لم ينعكس على تحسين مستويات المعيشة بشكل عام، وتعمقت فجوات الدخل، وعانى البعض من التهميش، وارتفعت نسبتا البطالة والفقر، خصوصا في المناطق الريفية البعيدة عن المدن.
الموازنة هي الإطار الذي يعطي الإشارات حول المستقبل القريب والمتوسط، فما هي الإشارات التي تعطينا إياها موازنة 2013، وهل تختلف عن السائد؟ وإذا كانت الإجابة سلبية، فهذه ليست أخبارا جيدة للسنة المالية المقبلة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة ابراهيم سيف جريدة الغد