هرج ومرج في البرلمان؛ انعدام القدرة على اتخاذ قرارات من قبل الحكومة؛ تشكيك في كل شيء، بدءا من المؤسسات وانتهاء بالأفراد؛ هذه المفردات تلخص الوضع العام القائم الذي تُرك على نحو ما ليصل إلى هذه الحالة التي تقترب من الاستعصاء.
يحدث هذا في الوقت الذي يحتاج الأردن فيه إلى حالة من الاستقرار ووضوح الرؤية؛ فالمناخ الإقليمي مرتبك وعاصف، والمزاج المحلي ينتظر مقاربات تتعامل مع التحديات التي تواجه المجتمع. لكن الحاصل أن الفاعلين على الأرض (النخب السياسية وغيرها)، يشدون باتجاهات متعاكسة. والمحصلة هي أن هناك جهدا ضائعا لا يستفيد منه أحد، بل على العكس؛ إذ إن الأمر مرشح للتراجع وليس التقدم إذا استمرت هذه الديناميكية على حالها.
وما نحن بحاجة إليه الآن هو المصارحة بين كافة الأطراف السياسية والاقتصادية؛ مصارحة تضع النقاط على الحروف، وتوضح أن الظروف الاقتصادية التي نمر بها هي وليدة عقود من السياسات التي لم تحقق النتائج المرغوبة. وعليه، فقد بات لزاما مراجعة تلك السياسات واقتراح سياسات جديدة، لا تقوم على تعبئة الرأي العام ضد رئيس الوزراء الحالي أو أي من فريقه، بل تطرح سياسات قابلة للتطبيق ضمن المعطيات السائدة.
والمشكلة أن كثيرا من الحلول التي تطرح للتعامل مع التحديات الاقتصادية لا تنطلق من أن الواقع والمؤشرات القائمة لا يمكن تغييرها. فعلى سبيل المثال، فإن رقم المديونية العامة لن يتغير بتغير السياسات، وحجم الإنفاق العام الثابت أيضا لا يمكن تغييره بسهولة، وهناك الكثير من الأمثلة. فعندما تكون المشاركة في سوق العمل متدنية، بحيث أن أقل من نصف المؤهلين يعمل، فإن هناك مشكلة في عدد العاملين. وهذا لن يتغير إذا حملنا المسؤولية لطرف ثالث.
وهناك ضرورة للتمييز بين الأدوات التي يمكن لصناع القرار وفعاليات القطاع الخاص اتباعها للتعامل مع التحديات القائمة، وبين  الموروث من المؤشرات والاختلالات التي صمتنا طويلا ونحن نراها تتطور إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه، وحلها يحتاج إلى تصور واضح على مدى زمني لا يقل عن 3-5 سنوات. أما الحديث عن حلول سحرية لمعالجة الاختلالات، فلا يعدو كونه ذرا للرماد في العيون.
نقترح في هذه العجالة الخروج من حالة الاستقطاب والاتهامات المتبادلة لإيجاد طرف لتحميله المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية. فبتجاوز تلك الحالة يمكن التأسيس لانطلاقة جديدة، تأخذ بعين الاعتبار وجود برلمان يحاول التأسيس لكونه مستقلا، ويراعي أن العملية الاقتصادية لها أطراف عديدة، من ضمنها القطاع الخاص القادر على الاستثمار، وفعاليات اجتماعية وسياسية بات موضوع العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص على رأس أولوياتها. كل هذا يؤسس لحوار مختلف، يمكن أن يقود إلى توافقات حول المستقبل، تؤسس لاستعادة الثقة بقدرة مؤسسات الدولة على إدارة شؤونها. أما إضعاف دور المؤسسات، وعلى رأسها المؤسسة التشريعية، فسيؤدي إلى مزيد من الانتكاسات، ويدخلنا في نفق طويل لا نهاية له.
بات الرأي العام يتساءل: من الذي سيقرر لنا سياساتنا الاقتصادية والاجتماعية خلال المرحلة المقبلة؟ وهل الأطراف القائمة تمتلك الشرعية والمؤهلات لممارسة هذا الدور؟ ومثل هذه الأسئلة تشير إلى أزمة تتعلق بالسياسات العامة والامتثال لها، وهذا هو الأهم. ونحن الآن على مفترق طرق، إذا لم نسارع إلى الخروج منه، فسوف يدفع الجميع ثمن السياسات الخاطئة، بحيث نصبح شركاء في الخطيئة، بدلا من كوننا ضحايا لها.

المراجع

alghad.com

التصانيف

صحافة  ابراهيم سيف   جريدة الغد   العلوم الاجتماعية