بعد هدوء استمر لسنتين، وبعد خفوت الحراك السياسي في البلاد والوصول إلى حالة مهمة من الاستقرار الاجتماعي والسياسي فوجئنا قبل يومين بتحرك الجرافات لإزالة حوالي 2000 شجرة حرجية بعضها معمّر من المنطقة التي يراد إنشاء كلية عسكرية فيها في غابات برقش. في المرحلة الأولى من هذه المعضلة والتي بدأت منذ سنتين تمكنت منظمات المجتمع المدني والنشطاء الاجتماعيون والبيئيون وبمساندة بعض الوزارات في الحكومة من التوصل إلى اتفاق بعدم المضي قدما في إنشاء الكلية العسكرية في واحدة من أكثر الغابات الطبيعية تماسكا ونضارة وفرادة في الأردن، وأن يتم البحث عن موقع آخر لإنشاء الكلية ووفق المعايير البيئية التي تطبق على كافة المشاريع التنموية في البلاد.
ما حدث يوم الأربعاء من تحرك مفاجئ للجرافات في اقتلاع الأشجار لم يحظَ بموافقة ولا تأييد من وزارة الزراعة والتي حررت مخالفات بحق الجهات التي قامت بالقطع وبالتالي أدت الدور القانوني المطلوب منها. بعد التأكد من المعلومات حول قطع الاشجار انتشر حراك بيئي-اجتماعي سريع أولا عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومن ثم من خلال تحرك بعض النشطاء إلى المنطقة، ومن المتوقع أن يزداد زخم هذه الحملة في الأيام القادمة وأن ينضم لها المزيد من المهتمين وكذلك من الشخصيات السياسية والثقافية والاجتماعية مع دعم صامت ولكن مهم من قبل أعضاء في مجلسي الأعيان والنواب ووزراء في الحكومة.
من الأفضل للجميع أن يتم الالتزام بأمرين ينبغي أن يسودا في هذه القضية وهما سيادة القانون ومنطق العلم. القانون يمنع تقطيع الأشجار في المناطق الحرجية حيث أن قانون الزراعة صريح تماما في هذا الشأن ومن المهم أن تلتزم به كافة الجهات سواء الاستثمارات الخاصة أو العامة كما يتم إلزام المعتدين من الأفراد والمجموعات الخارجة عن القانون بعدم قطع الأشجار. في المقابل فإن قانون البيئة الأردني يتطلب إجراء عملية تقييم للاثر البيئي لأي مشروع قبل أن يتم البدء به وأن يتضمن هذا التقييم ايضا خيار تغيير الموقع في حال أثبتت الدراسة عدم إمكانية إقامة مشروع ما في منطقة بيئية حساسة مثل الغابات.
القضية ليست في عدد اشجار سيتم قطعها وأخرى سيتم زرعها، لأن الغابة هي نظام بيئي متكامل والاشجار التي احتاجت لمئات السنين لتكبر وتعمر لا يمكن استبدالها حتى لم تم زرع الآلاف من الشجيرات البديلة التي قد لا تنجح الغالبية العظمى منها في النمو خاصة في سياق تغيير جذري على طبيعة المنطقة وغطائها النباتي والنشاطات الموجودة فيها في حال إنشاء الكلية العسكرية. المطلوب ايضا هو ضرورة التزام كافة الجهات بالقانون لأنه في حال السماح باستثناءات لأسباب مختلفة فإن ذلك سيعتبر سابقة لن تتوقف عن التكرار في الفترة القادمة ومن قبل عدة جهات ستقدم حججا وتبريرات مختلفة.
واقع الحال الآن يشير بأن عددا كبيرا من المواطنين والمنظمات المدنية والنشطاء من مختلف الجهات مصممون على مقاومة المشروع، وهذا التصميم لا يمكن اعتباره تحديا ولا مواجهة مع احد بل الهدف هو ترسيخ قاعدة سيادة القانون على الجميع وحماية كل الأطراف المشاركة في هذه القضية من تبعات سلبية لم تحدث سابقا في تاريخ البلاد. إنها حملة لحماية الأشجار والغابة والمؤسسات الوطنية ومستقبل العلاقة بين المؤسسات الوطنية والمجتمع الأردني .
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة باتر محمد علي وردم جريدة الدستور