جماعة الإخوان المسلمين، جماعة من الناس، وبشر من البشر، يحاولون جهدهم خدمة أمتهم وأوطانهم، من خلال فكرة جوهرية مركزية تتمثل بتبني مشروع نهضوي مشتق من الإسلام العظيم، بوصفه اطاراً حضارياً كبيراً وواسعاً ممتداً للأمتين العربية والإسلامية، ويشكل مخزوناً غنياً لتراثها وحافظاً لتاريخها ومصدراً لقيمها السامية، ومصدراً لهويتها الذاتية الأصيلة، التي تمنحها سمات خاصة تتسم بالبعد الإنساني الراقي المتحضر النبيل.
على امتداد القرن المنصرم، أسهمت الجماعة مع غيرها من القوى الوطنية الأصيلة في تحصين الأمة من الاختراقات الثقافية، التي تحاول افراغ الأمة من فكرها، وسلخها عن تراثها وتاريخها المشرف، واغراقها في مسارات التبعية المذلّة للغرب أو الشرق، ووقفت بشراسة أمام حملات التغريب والتبشير والاستشراق، وشجعت الأجيال المتتابعة على التمسك بهويتها الثقافية، والالتفاف حول مشروعها الحضاري العربي الإسلامي، القادر على استيعاب مكونات الأمة وتعدديتها الغنية الثريّة، في إطار من التسامح والاستيعاب الثقافي، ومحاولة صياغة نموذج عربي اسلامي للبشرية جمعاء.
الاخوان ليسوا ملائكة، فهم يخطئون ويصيبون، يجتهدون رأيهم فيحسنون أحياناً، وتعوزهم الحكمة أحيانا أخرى، يدخل معهم مخلصون وأكفاء، وأحياناً يتسرب الى صفوفهم بعص المتسلقين، والباحثين عن المكاسب والاضواء، وهم لا يدّعون العصمة، ويبشرون بالتغيير والإصلاح السلمي الهادئ المتدرج، اعتماداً على قوله تعالى: «ان الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».
إن أشد ما يغيظ خصوم الجماعة في مصر قول المرشد: «حركتنا سلمية، وستبقى سلمية، وسلميتنا أقوى من الرصاص»، مما جعل كثيراً من الخصوم على المستوى المحلي والخارجي يضعون مخططاً همجياً رهيباً يقوم على دفع عناصر الجماعة ومؤيديها وأنصارها الى العنف، وذلك من خلال استخدام القوة المفرطة، ومواجهة سلميتها بالعنف الهمجي، في ظل أحكام الطوارئ التي عطلت الدستور وألغت كل نتائج الانتخابات، والاستفتاءات الشعبية، وحل المجالس المنتخبة، والاستعانة بالعسكر والقوى الأمنية التي تحكم دون أي نوع من الرقابة.
وعندما فشلت كل محاولات القمع والمطاردة وكل حملات الاعتقالات والمداهمات وحرق البيوت، والاعتداء على النساء، وقتل المتظاهرين بالرصاص الحي، وأخيراً لم تنتظر إجراءات القضاء الإداري، ولجأت الى القضاء المستعجل لإصدار حكم قضائي سياسي مشوب بالتعسف بحل الجماعة، وحظر كل ما يتبع لها من مؤسسات، ومصادرة كل أموالها وممتلكاتها، ويمثل ذلك حلقة في مسلسل واضح ومخطط مرسوم لدفع الناس الى العنف، واغراق الشعب المصري في بحر من الدم، وجر الجيش والأمن والشعب الى معركة داخلية دامية لتدمير الدولة واضعافها خدمة للسيد الصهيوني.
الجماعة مدعوة الى ادراك المخطط الجهنمي الذي يدفع نحو إغراق المنطقة في مستنقع الفوضى والدم، وأن تبقى محتفظة بمنهجها السلمي، رغم كل الاستفزازات، ورغم القهر، ورغم الأقلام السامة التي بقيت طوال تاريخها تمثل اختراقاً مسموماً في جسد الأمة، وتملأ قلوبها حقدا وفتنا على الاسلام العظيم الذي يمثل الحصن القادر على حفظ الأمة من موجات التغريب والاغتراب الخارجي الماكر الخبيث.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة الدكتور رحيل محمد الغرايبة جريدة الدستور