نعلم ابتداءً أن وزيرة الثقافة جاءت من الوسط الثقافي، ولها إسهامات مقدرة في عالم الكتابة في الضمانة الاردنيةـ وتقديم البرامج التلفزيونية الهادفة، ويشهد لها أنها تتمتع بحاسة أدبية ذوقية عالية، ومن هذا المنطلق نتوقع أن الحوار معها يأخذ معاني الجديّة والجدوى.

هناك اجماع على أهمية الثقافة في الحياة الإنسانية، وان لها دورا أساسيا وفاعلا في بناء المجتمعات وتشييد الحضارات، وتقديم الإنجازات المادية والمعنوية عبر التاريخ البشري، فالمجتمعات التي امتلكت ثقافة حب العمل وتقدير النشاط وتعظيم الإنتاج والاعتماد على الذات، وأدركت معاني الولاء وحقيقة الانتماء للأمة؛ تقدمت وقطعت شوطاً حضارياً واسعاً في عالم المنافسة بين الشعوب، بينما نجد أن المجتمعات التي تسودها ثقافة الكسل والتواكل والاستهلاك، والاعتماد على الآخر، والتمسك بمظاهرالحضارة وقشورها ، وتظهر فيها معالم النفاق والتزلف؛ تأخرت وارتكست، واحتلت المراتب المتأخرة في مسيرة القطار البشري.

بعضهم يقصر مفهوم الثقافة على بعض الجوانب المتعلقة بالأدب والفن، ويذهب بعضهم بعيداً الى قصر الإبداع على تجاوز عالم القيم، والخروج على الذوق العام، مما أدى الى قصر المهرجانات الثقافية على جوانب الغناء والطرب والرقص والتمثيل وشيء من ادب قليل..

نحن بحاجة ماسة الى إدراك المعنى الشامل للثقافة، وادراك تعدد مساراتها وتنوع مجالاتها، بحيث تظهر اثارها في كل مجال، وتلمس كل مسار، لأنها تمثل عالم القيم؛ الذي يشكل جوهر الحياة وفلسفتها، ويمثل منطلق العمل والفاعلية والتأثير في الجنس البشري؛ فهنالك ثقافة سياسية، وثقافة اقتصادية، وثقافة فنية وأدبية، وثقافة وطنية، وثقافة مهنية وعملية، وثقافة اجتماعية، وثقافة ذوقية وجمالية، ...

لا جدال في أهمية الأدب والفن في الحياة، ولا مراء في أثرها المنعكس على كل المجالات ، وأود أن لا يخطر على بال أحد أني أقلل من قيمة الأدب والفن في صقل الذوق البشري، وعملية إتمام البناء الإنساني ولكن ما نحن بصدده: كيف نجعل من الأدب والفن عاملاً من عوامل بناء القيم وتصحيح الأذواق، ونشر الفضائل وتعزيز السلوكيات الإيجابية، ومعالجة الخلل، وجوانب القصور في الأداء الفردي والنشاط المجتمعي.

باختصار شديد وزارة الثقافة معنية بصياغة رؤية واضحة ومحددة للدولة الأردنية، وبناء رسالة عملية وسهلة وميسورة؛ يدركها جميع الأردنيين في كل مواقعهم، وعلى جميع المستويات، بحيث يسهمون جميعاً عبر برنامج مرحلي مدروس؛ في إعادة بناء الأجيال وإعادة بناء الإنسان الأردني ،وفقاً لمنظومة القيم الأساسية، التي تحقق معنى الولاء للوطن والانتماء للأمة، وتقدس قيم الوحدة والتسامح والتعاون، وتعلي شأن العلم والعقل، وتعظم قيم الإنتاج والاعتماد على الذات، وحب العمل والإنجاز، وتحرص على الفوز في ميدان التنافس الحضاري بين الشعوب والأمم، مما ينعكس حتماً على تهديف المهرجانات الثقافية ،وتوجيه الناشئة الى ما هو نبيل وسام، وصقل حاسة الذوق والجمال لدى الأجيال، وتشجيع الكتاب والأدباء والفنانين والشعراء والقصاصين والروائيين على تحقيق الأهداف الكبيرة؛ التي تتجلى في محاربة التشوه الكبير الذي أصاب البناء المجتمعي والجوهر الإنساني في الصميم، وأصاب العلاقات الاجتماعية بالقصور والعطب، لأن الثقافة في حقيقتها روح تسري في المجتمع قبل أن تكون أشكالاً ومظاهر.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   الدكتور رحيل محمد الغرايبة   جريدة الدستور