تقوم اللجنة الملكية لتعزيز منظومة النزاهة الوطنية بجهود مشكورة بعقد ندوات حوار متعددة على جميع المستويات الرسمية والشعبية، وكان من ضمن ذلك لقاء مع مؤسسات المجتمع المدني، من أجل الاستماع لملاحظات الجمهور حول مشروع اللجنة وبرنامجها بخصوص تعزيز منظومة النزاهة الوطنية حيث تهدف اللجنة الى إنجاز مشروع ميثاق وطني للنزاهة، يتم عرضه على مؤتمر وطني موسّع يتم عقده في نهاية المطاف.

وما ينبغي إدراكه في هذا المجال أن النزاهة المطلوبة لا يمكن أن تتحقق إلاّ من خلال بناء ثقافة مجتمعية راسخة عبر الأجيال منذ مرحلة الطفولة في البيت والأسرة، مروراً بالمدرسة والجامعة، بالإضافة إلى التعاون المدروس والممنهج مع مؤسسات المجتمع المدني و الإعلام، وكل مراكز التوجيه ومؤسسات الأدب والفن والثقافة.

النزاهة تمثل ثمرة الالتزام المجتمعي بمنظومة القيم التي تحظى بالاحترام والتقدير العام الذي يبعث على التمثل الجمعي والتطبيق السلوكي الجاد لمضامينها ومقتضياتها وشروطها وأسبابها وآدابها.

يصعب تطبيق معايير النزاهة بشكل فردي عندما يجد الفرد نفسه وسط بحر متلاطم يموج بالتمرد على قوانين النزاهة وشروطها ومقتضياتها، ويصبح الالتزام بمعايير النزاهة سهلا وميسوراً في ظل مجتمع يتفق أفراده على تطبيق معايير النزاهة، والالتزام الصارم بمقتضياتها وشروطها، وتحمّل ضريبة الالتزام بنفس رضيّة، وإيمان راسخ بأن ذلك يحقق المصلحة العامة، التي تعود على جميع الأفراد بشكل مؤكد ويقيني.

لو وقع مجتمعنا الأردني ضحية ثقافة الواسطة والمحسوبية التي تتفشى بشكل وبائي، بحيث لا يستطيع المواطن الحصول على حقه الطبيعي إلاّ من خلال التوصية المسبقة القائمة على المعرفة أو الصداقة مع الطرف المسؤول أو صاحب النفوذ أو صاحب التأثير بوجه من الوجوه، حتى لو كان مجرد الدخول على الطبيب، أو تمرير معاملة أو اختراق الدور وطابور المنتظرين فضلاً عن الحصول على وظيفة أو ترقية أو إجازة ...

إن حل هذه المشكلة يتطلب جهداً مبذولاً من كل مستويات المسؤولية والقرار، ويحتاج إلى تضافر جهود كل المؤسسات والوزارات، والقوى المجتمعية بلا استثناء، لكن ستبقى القدوة هي صاحبة الأثر الأكبر والأقوى تأثيراً، وكلما زاد علو مرتبة القائد في مستويات القرار كلما زاد قوة أثره بالالتزام الجمعي بمعايير النزاهة ومقتضياتها على وجه الحتم والالتزام، وفي مقابل ذلك فإن أكثر الناس أثراً في انتشار وباء التمرد على القيم، واختراق مبادئ النزاهة هم أصحاب المسؤولية والمكانة الإجتماعية.

أمّا الدور الآخر الذي يتسم بالخطورة في هذا المجال، فهو دور الأدباء والفنانين والمثقفين في إشاعة الالتزام بالنزاهة من خلال القصيدة والمقالة والمسرحية ورسم الكاريكاتير، و الأغنية والأهزوجة، التي تخاطب أذواق الناس وضمائرهم وعقولهم على نطاق واسع، وهو دور لا يقل عن دور المجالس التشريعية والمؤسسات التربوية، وبقية مفاصل الدولة.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   الدكتور رحيل محمد الغرايبة   جريدة الدستور