تعودنا دائماً ومنذ زمن بعيد، أن يتم التداعي الى الإصلاح تحت ضغط الواقع المؤلم، وفي ظلال الأزمات التي ترمي بثقلها على جميع الأطراف، وأحياناً يتأخر التحرك ويتباطأ حتى تستفحل الأزمة، ويتعمق المرض وينتشر، بحيث يصبح الإصلاح ضرباً من ضروب المغامرة، وربما يتم اللجوء إلى جراحات كبيرة وعميقة تشكل خطراً كبيراً واضحاً ينذر بعواقب وخيمة على جميع الأطراف بلا استثناء.
نحن في الأردن لسنا استثناءً من هذا المنهج، حيث أن الأزمة دفعت معظم الأطراف إلى التداعي إلى الإصلاح والبحث عن الحل، وغالباً ما تكون أجواء الأزمة ليست صحيّة تماماً، فهناك آثار واقعية تفرضها الأحداث ، وهناك تراكمات تاريخية لا يمكن تجاوزها، ولذلك نجد أن الأطراف تجتمع في ظل توجسات وهواجس متبادلة، قائمة على ضعف الثقة أو انعدامها أحياناً، وعندما تضعف الثقة وتنعدم تنشأ معيقات وعقبات كبيرة أمام التقدم نحو الحل، وتحول دون الانفراج ودون تحقيق الإصلاح المطلوب، خاصة في ظل دخول مؤثرات جانبية من جهات لا تريد الإصلاح ، أو من قبل وسطاء غير نزيهين يعملون على إذكاء نار الخلاف، وتوسيع شقته للحيلولة دون انكشاف الحقائق التي سوف تطال بعض الجهات أو بعض الأطراف على سبيل الحتم والإلزام.
مرور أكثر من عامين على تجربة حراك الشعوب العربية، وما آلت إليه الأوضاع على الصعيد الإقليمي والمحلي، يحتم على جميع الأطراف إجراء عمليات تقويم ونظر ومراجعة، في ظل قليل من الهدوء والاستقرار، الذي يسهم في تقليل الهواجس والشكوك المتبادلة بين الأطراف، ومحاولة إجراء حوار مجتمعي شامل هادىء وصريح وعميق وجريء، تسود فيه روح وطنية مفعمة بالانتماء والحرص على المصلحة العامة، وينعدم فيه منهج الاستفراد بالمشهد، وروح الإقصاء والتهميش للآخر، وبعيداً عن لغة التخوين والشيطنة.
يمكننا البحث بشكل جماعي عن دور الأردن المستقبلي، دون مبالغة وتهويل من جانب، ودون تبسيط وتهاون من جانب آخر، من خلال النظر في المشهد السياسي القائم على الصُعد العالمية والإقليمية والمحلية واستجلاء التحديات والفرص، بهدوء ورويّة.
نحن بحاجة إلى إحداث توافق واسع وكبير من كل المكونات الاجتماعية على الأرضية الوطنية المشتركة التي تصلح لبناء المشروع الوطني الأردني، بجهود أردنية وسواعد أردنية وأفكار أردنية، تفهم الواقع والبيئة المحيطة بعمق وإدراك لما تملك من مقدرات ومؤهلات، وأفكار مستلهمة من تراثنا وتاريخنا، وحضارتنا وثقافتنا، لا تتناقض مع المشاريع العربية والإسلامية، ولا تتبنى منهج العزلة والانغلاق، ولكن بعيداً عن الارتباط والتبعيّة الضيّقة، التي تجعل الأردن ساحة لمشاريع إقليمية أو مستودعاً لأفكار وافدة، وتحول دون النظر إلى الأردن كدولة ووطن وشعب، مثل كل شعوب الأرض التي تسعى للنمو والتقدم والازدهار بشكل ذاتي من خلال الاستثمار بالإنسان الأردني، وما يملك من فرص ومقدرات تؤهله نحو تحقيق هذا الهدف بكل تأكيد.
إن ما يجري في العراق من حرب طائفية، وما يجري في سورية من تدمير وقتل وتشريد، وما يجري في مصر من تعثر، ومآلات الأحداث في كل من لبنان واليمن وغيرها من الأقطار العربية، يحتم علينا التفكير الجمعي الجاد في مستقبل الأردن ودوره القادم المعزز بالأمل والطموح المشروع .
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة الدكتور رحيل محمد الغرايبة جريدة الدستور