حركة اللجوء الكبيرة التي تشهدها المنطقة العربية بإجمال والأردن بوجه خاص، تشكل حدثاً كبيراً له آثار عديدة وتمس جوانب منظورة وغير منظورة، وبعضها يحمل دلالات مرعبة وخطيرة، ينبغي أن تكون بالحسبان، وأن تكون حاضرة في خطط المواجهة لدى الحكومة والمؤسسات المختصة، ولدى الجامعات والمؤسسات البحثية ومراكز الدراسات، وأهل السياسة وعلماء الاجتماع.
من الأمور الغنية عن التنبيه، أن موجات اللجوء المشهودة بهذا الحجم الكبير لا تقتصر آثارها على النواحي الاقتصادية ومسائل الاغاثة والقدرة على تجهيز معدات الايواء والمعيشة، ولا يقتصر كذلك على النواحي الأمنية ومسائل الاختراق وامتلاك أدوات الضبط والمراقبة وحماية الجدار الأمني، وإنما ينبغي الالتفات إلى ماهو أشد خطورة وأعمق أثراً فيما يتمثل بالتحولات الاجتماعية غير المنضبطة وفي التغير الهائل على منظومة القيم التي تصيب جوهر الحياة، وتمس الروابط الاجتماعية وتحدث خللاً مزلزلاً في التركيبة السكانية والتجانس الأخلاقي الذي تم بناؤه عبر مئات السنوات بطريقة بطيئة ومتدرجة ومتأنية وغير منظورة.
الهروب الجماعي المصحوب بالرعب والخوف، الذي رافقه التخلي عن الممتلكات ومحصلة التعب والجهد عبر السنوات الطويلة، وميراث الآباء والأجداد، يجعل الناس يعيشون في ظروف استثنائية، تغير من خلالها النظرة إلى الحياة، وتتغير أنماط التعامل تحت ضغط الظروف القاهرة، مما يؤدي إلى تزعزع القيم، وتخلخل قوة الترابط بين الأفراد كرهاً وقهراً، وينشأ جيل جديد يعيش على هامش الحياة الاستثنائية، تتمرغ فيها الكبرياء والآدمية بوحل الحاجة والعوز، وفقدان القانون، والشعور المكبوت نحو التمرد وحب الانتقام، والاحساس بمرارة الذل، ومشاعر الحزن على فقدان الأولياء والمقربين، فيختل الميزان لديهم على سبيل الحتم والالزام، وتختل المعايير الاجتماعية والمقاييس الانسانية، فينشأ جيل غاضب ومتوتر وفاقد للانتماء المكتمل، وفاقد لحس الاستقرار، تحت وطأة الانتظار الطويل.....
المشاعر الوطنية، والمبادىء الانسانية، والقيم الاسلامية تحتم على الأردن والأردنيين أن لا يقفلوا حدودهم أمام موجات التهجير وأن لا يسدوا أبواب منازلهم أمام أشقائهم المهجرين.
وخاصة من شرائح النساء والأطفال والمستضعفين من الرجال والشياب المرعوبين، ويحتم علينا جميعاً أن نقدم العون والمساعدة ضمن حدود القدرة والاستطاعة.
لكن يجب أن تكون هذه المساعدة ضمن استراتيجية مرسومة الأبعاد وفقاً لدراسات موزونة ورؤية صائبة وإعدادات وافية، تأخذ بالحسبان كل الآثار المتوقعة، وخاصة تلك التي تتعلق بمنظومة القيم، والأخلاق المجتمعية، والروابط العائلية والتركيبة الديموغرافية، لما يترتب على ذلك من أخطار متوقعة حتمية على الصعيد السياسي والأمني والاجتماعي والاقتصادي.
في المسألة السورية وفي كل المسائل المشابهة، ينبغي العمل على ايجاد جهد عربي مشترك، قادر على التعامل مع هذه القضايا بطريقة مؤسسيّة، يتم من خلالها توزيع الأدوار، وتوزيع الجهد على مجموعة الأقطار العربية البعيدة والقريبة، من خلال الشعور بالمساواة أمام الواجب القومي في معالجة هذه الظروف الطارئة والقاهرة، ويجب عدم الاكتفاء بسلوك الجانب الخيري، والجهود التطوعية والمساعدات والتبرعات، وعدم الاقتصار على جهود الجمعيات الخيرية التي تستحق الشكر والثناء.
هذه المسألة كبيرة وخطيرة حيث تتمثل بتحرك كتلة بشرية كبيرة تعد بالملايين، فلا يمكن مواجهة هذا الظرف الطارىء إلّا بجهد حكومي ورسمي ودولي، منظم ومحكم، يعالج المسألة بشمول ولا ينسى جانباً من جوانبها، ولا يهمل بعداً من أبعادها.
أن المجتمع الدولي مقصر إزاء هذا الموضوع تقصيراً كبيراً وواضحاً، والمجتمع العربي أكثر تقصيراً وأشد إهمالاً، وأن هذه القضية أكبر من قدرة الأردن على حملها واستيعاب آثارها المستقبلية التي تنذر بالخطورة، بالإضافة إلى التقصير الدولي البشع إزاء حماية المدنيين في سوريا بغض النظر عن الحق والصواب من جانب الأطراف المتنازعة.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة الدكتور رحيل محمد الغرايبة جريدة الدستور