يحتفل العالم في الأول من أيار بالعمال، وجعل لهم عيداً من أجل التذكير بهذه الفئة وحقوقها المنسيَّة سواء على صعيد الدول والحكومات أم على صعيد اصحاب الأموال والشركات وأرباب العمل، بالإضافة إلى أرباب الفكر والثقافة والصحافة والإعلام، من أجل الاسهام الجمعي بتحسين أحوال العمال وبيئة العمل بوجه شامل ومتطور حيث أن التحسين لا يقتصر على الجوانب المادية بل يتعدى ذلك إلى الجوانب الثقافية والفكرية والأدبية والمعنوية.
في الوقت الذي يعاني المجتمع الأردني من مستويات عالية في ارقام البطالة والمتعطلين عن العمل، وليس في الأفق المنظور ما يدل على حلول جذرية فاعلة لهذه المشكلة المستعصية، إلّا أن هناك جملة من المفارقات التي تستحق التوقف والنظر والدراسة منها على سبيل المثال:
- العزوف عن العمل من قبل أبناء البلد، وتلحظ هذا العزوف من خلال الاحتكاك المباشر في مجالات العمل، فعندما تدخل إلى محطات الوقود تجد الأغلبية الساحقة من العاملين فيها إن لم يكونوا جميعاً من العمال الوافدين، وعندما تدخل إلى المخبز أو الأسواق الكبيرة والصغيرة، تجد الأغلبية الساحقة كذلك من الوافدين، ومن يحاول البحث عن عمال للزراعة أو أعمال البناء، فلا تجد إلّا الوافدين.
هذه المسألة تستعصي على التفسير، إذ لا يعقل أن الأردنيين جميعاً جامعيون ومهندسون وأساتذة جامعات، أين تبخرت شريحة العمال وأين ذهبوا، ولماذا تحوي الأردن ما يزيد على مليون عامل وافد؟ والمسألة الأخرى حتى العمالة الفنية تكاد نجدها محصورة في الوافدين السوريين، مثل أعمال البلاط والقصارة والجبس وما شابه، مع أن مستوى التحصيل مرتفع، والأجور في هذه المجالات مجزية، إلّا أنها لا تجد إقبالاً من قبل الأردنيين بشكل ملحوظ ، ما يستوجب أن تكون هذه المسألة محلاً للبحث والدراسة المستفيضة من قبل الباحثين وأهل الخبرة، ويجب أن نعترف أن هذه المسألة تستحق التوقف والعلاج.
المسألة الأخرى تتعلق بالرؤية والاستراتيجية للدولة في ايجاد المدن العمالية المؤهلة التي تتوافر فيها الخدمات بحدها الأدنى من الكرامة، عن طريق البحث عن البناء الرخيص المنسجم مع البيئة، ويمتاز بمستوى جمالي مقبول، يتناسب مع مستويات الدخل المستهدفة، وهناك مشاريع ناجحة على مستوى العالم، استطاعت أن تحقق أهدافاً مرسومة في هذا السياق.
المسألة الثالثة تتعلق بدور نقابات العمال، التي تحتاج إلى تطوير في الأدوات والوسائل وطرق العمل، بحيث تكون قادرة على تحقيق مكتسبات معتبرة للعمال وعائلاتهم، خاصة فيما يتعلق بالتأمين الصحي.
في عيد العمال ينبغي على كل أردني أن يوجه التحية لكل هؤلاء المنخرطين في العمل وخدمة الناس، وخاصة أولئك الذين يطلق عليهم (عمال الوطن) أصحاب الياقات البرتقالية، فهؤلاء يستحقون التكريم والتقدير والتشجيع، ويستحقون مزيداً من الامتيازات التي تجعل الإقبال على هذه المهنة محققاً لمستوى مقبول من حفظ الكرامة، وحفظ الحقوق الانسانية الاساسية.
تكريم العامل تكريم لقيمة العمل، التي تعد في أعلى مستويات القيم من حيث الأهمية، في الفكر الاسلامي وفي تراثنا الحضاري الأصيل التي يجب أن تصان عن أعراف الخجل وثقافة العيب، ومن يستنكف عن العمل، يستحق معالجة وتأهيل نفسي حيث لا نلحظ ذلك في أغلب الدول المتقدمة والمتحضِّرة التي تفوقنا في مستوى الدخل القومي أضعافاً مضاعفة.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة الدكتور رحيل محمد الغرايبة جريدة الدستور