استضافت المبادرة الأردنية للبناء «زمزم» الأستاذ محمد نجيب الغربي مسؤول الإعلام والاتصال في حزب النهضة التونسي، الذي يخوض تجربة فريدة على المستوى العربي في انتشال تونس من مرحلة الديكتاتورية وحكم الفرد، نحو مرحلة الديمقراطية الحقيقية، التي يقرر الشعب التونسي من خلالها مصيره عبر امتلاك القدرة على اختيار الرئيس والحكومة وامتلاك القدرة على الرقابة الصارمة على أداء الحكومة وفي طريقة إدارة شؤون الدولة في كل مجالاتها وعلى جميع الأصعدة بلا استثناء.
طرح المسؤول التونسي مجموعة من الأفكار المهمة والعملية التي وجدت قبولاً من الحضور، والتي كانت متقاربة مع ما تطرحه مبادرة زمزم من أفكار إلى حد التطابق المدهش، فهو يقول أننا في حزب النهضة في تونس عقدنا العزم على مغادرة مربع السجال مع المخالفين، والخروج من حالة الاستقطاب إلى الشروع ببناء حالة الوفاق التونسي، وإيجاد الإطار الوطني القادر على استقطاب الكفاءات وتوظيفها في مواقع الدولة، ولم نكن نحرص على اشغال هذه المواقع بكوادر النهضة، لأن تونس لجميع مواطنيها، وكوادر النهضة ليسوا بأحق من غيرهم من أفراد الشعب التونسي بإشغال هذه المواقع، ولقد أدرك الشعب التونسي هذه الحقيقة عندما سلم حزب النهضة الحكومة، إلى مجموعة التكنوقراط، ورفع شعار أن تقدم تونس نحو الديمقراطية، والحفاظ على الدولة أكثر أهمية من حصول حزب النهضة على مكتسبات سياسية ومقاعد وزارية.
يقول المسؤول التونسي لقد خضنا جدالاً عميقاً داخل الحزب حول موضوع التحالف السياسي مع الآخرين بعد الانتخابات، وهل يكون مع المشابهين لنا في الفكر والموافقين معنا في المنهج، أم يكون مع المخالفين، وحسم الحزب قراره بالتحالف مع المخالفين لأن التحالف الحقيقي يكون مع المخالف وليس مع الموافق، ونجح الحزب في عقد تحالف مع الأحزاب العلمانية والقومية في تونس وتم تسليم المرزوقي رئاسة الجمهورية، وتسليم بن جعفر رئاسة الجمعية التأسيسية، رغم التفاوت الكبير في حجم المقاعد التي حصلت عليها هذه الأحزاب مقارنة مع ما حصل عليه حزب النهضة، وكان بمقدور الحزب التحالف مع الإسلاميين وتحصيل الأغلبية.
لقد أدهشني المسؤول التونسي في اجابته على سؤال تقويم تجربة حزب النهضة في الحكومة السابقة، عندما قال: لو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا ما كنا دخلنا الحكومة بهذه القوة، ولكنا اكتفينا بحقيبة وزارية واحدة أو اثنتين، مع الاحتفاظ بالقوة داخل البرلمان، من اجل تطمين الشعب التونسي والقوى السياسية التونسية، ومن أجل انضاج التجربة والديمقراطية، في ظل إدراك الحقيقة القائلة بشكل قاطع أن مواقع المسؤولية ليست مغنماً، وأن تجربة حكومة التكنوقراط ليست سيئة في ظل ضحالة التجربة العملية لدى قادة النهضة وكوادرها.
القضية الأخرى التي تجلب الانتباه تلك الجدلية المتعلقة بمرجعية رئيس الحكومة (حمادي الجبالي) عندما استلم رئاسة الحكومة الأولى، هل هي للمكتب التنفيذي لحزب النهضة، أم هي للجمعية الوطنية التونسية، وكان القرار الحاسم أن مرجعية رئيس الحكومة ليست لقيادة الحزب، وإنما للجمعية التأسيسية، وقد كان هذا القرار في غاية الصعوبة، من حيث التوفيق على أرض الواقع بين قيادة الحزب الذي يدعم الحكومة ويتحمل المسؤولية أمام الشعب التونسي ويتلقى سيل الانتقادات على آداء الحكومة، وبين الشرعية الشعبية التي يمثلها البرلمان المنتخب أو ما يطلق عليه الجمعية التأسيسية التي يرأسها حزب وطني آخر.
حزب النهضة يدرك تماماً أنه أمام معضلة إدارة دولة وليس إدارة حزب فقط، ولذلك يجب أن ينتقل إلى ذلك الأفق الرحب من حيث العقلية ومنهجية التفكير وتوسيع أطر المشاركة، واستيعاب الشعب التونسي بكل مكوناته، وبكل ما يحتوي من تباينات فكرية وسياسية واجتماعية وأيدولوجية، ويجب أن يغادر الحزب عقلية الفئة، وعقلية الجهة، وعقلية الحزب المغلق إلى أفق الدولة الواسع الرحب، بما يفرضه هذا الانتقال من قدرة على لملمة شمل الشعب التونسي والمحافظة على المشترك الوطني مع كل مواطن تونسي وتمليك الشعب التونسي مشروع النهوض والتمكن من حشد الطاقات لتحقيق التقدم المطلوب.
هذا ما نطرحه نحن في المبادرة على اخواننا في الحركة الإسلامية، وهذا ما نطرحه على كل القوى السياسية الأردنية وكل مكونات المجتمع الأردني، تماماً.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة الدكتور رحيل محمد الغرايبة جريدة الدستور