تواصل معي عدد لا بأس به من أهل القدس، الذين يعيشون هم التهويد ومواجهته لحظة بلحظة، في ظل المحاولات الدائبة من المتطرفين اليهود ومجموعات كبيرة من المتدينين والمنظمات الصهيونية المنخرطة في مشروع إعادة بناء الهيكل وفقاً لبرنامج زمني معد، ومراحل متدرجة بدأت منذ زمن بعيد، تحت دعم الحكومة الصهيونية المتحالفة مع الاتجاهات المتطرفة، وصمت مريب من العرب.
أهل القدس مضطرون للحضور المكثف والدائم في الأقصى والصخرة على مدار الساعة في الليل والنهار، والاستعانة بسكان المدن والقوى الأخرى، من أجل تشكيل حالة شعبية يقظة تحمي المقدسات من عبث المنظمات المتطرفة، وتحول دون التقدم نحو خطوات تهويدية مغطاة بتشريعات صادرة من الكنيست، تهيىء للسماح بالصلاة في باحات الأقصى للمتدينين اليهود، وهناك تفكير جدي نحو محاولة تقسيم الحرم القدسي بين اليهود والمسلمين على شاكلة ما تم في الحرم الابراهيمي سابقاً.
في سياق المواجهة الشعبية المحتدمة لا بد من اسداء التحية والتقدير لحرائر بيت المقدس، اللواتي كان لهن الأثر البارز والأكثر وضوحاً في انجاح برنامج الرباط الدائم في الحرم القدسي، عن طريق المجموعات النسائية التي تتناوب على الحضور والصلاة والحراسة على مدار الساعة، لقد أعادت هذه الحرائر سيرة المسلمات الأوائل اللواتي كن يشاركن في الجهاد والغزو مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع قادة الفتح من الصحابة، حيث كان دور الحرائر المسلمات مؤثراً في تحقيق النصر المؤزر في اليرموك والقادسية وغيرها من المعارك الفاصلة في التاريخ الإنساني.
التحية الأخرى الصادقة يجب توجيهها نحو عرب فلسطين (48)، وخاصة عرب الشمال في المثلث، بقيادة أسد الرباط الشيخ رائد صلاح، الذي يقود معركة الرباط السلمي عبر توجيه قوافل المصلين من كل المدن والقرى الفلسطينية لإعمار بيت المقدس وتحقيق الحضور المكثف في الأقصى رغم المعيقات الممنهجة التي تسلكها حكومة العدو، التي تنبهت لجهود رائد صلاح واخوانه في بناء برنامج المواجهة السلمية من خلال الوجود المكثف للمصلين بشكل دائم ومستمر، وتحاول افشال برنامجه الفاعل والمؤثر.
إن برنامج الرباط الذي تنفذه الحرائر، ومجموعات الشباب الفلسطيني في القدس وما حولها، وبرنامج عرب (48)، هو الجهد الحقيقي المؤثر في عملية المواجهة في معركة التهويد الجارية، وينبغي أن تكون كل الجهود الخارجية داعمة بشكل عملي وواقعي في دعم برنامج الرباط في الأقصى، إذ يجب أن يتم توفير كل قرش في مساندة هؤلاء المرابطين، ويجب وقف كل الأمور الشكلية التي لا تقدم ولا تؤخر، في منع برنامج التهويد، ويجب أن يعاد النظر في كل الجهود التي تستهلك الوقت والمال على مدار الأعوام السابقة وإعادة ربطها الحقيقي بالأهداف المرجوّة على هذا الصعيد.
هؤلاء القابضون على جمر الصمود والتحدي، والصابرون على لهيب المواجهة الحقيقية مع العدو المحتل على مدار الأيام والسنين، هم وحدهم الذين يحق لهم إعطاء الدروس والمحاضرات في النضال، وهم يجسدون النموذج الجهادي، ويقدمون الشهداء في كل يوم، والجرحى والمصابين وآلاف المعتقلين في السجون والزنازين، هم الرافعون لراية المقاومة ويسلمونها من جيل إلى جيل، يستحقون قصائد التمجيد ومعلقات المديح، لأنهم يسطرون صحائف الخلود ويرسمون معالم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.
هذا الموقف رسمه لنا بوضوح الشيخ أحمد ياسين عندما تم الإفراج عنه وجيء به إلى عمان للعلاج كان له مطلب واحد أمام كل اعلام العالم ان يرجع إلى الأرض المحتلة، وكان بإمكانه أن يحظى بالتكريم في الخارج وأن يكون نجماً محاضراً في مهرجانات خارجية لا تقدم ولا تؤخر على صعيد تحقيق الرباط الحقيقي والانخراط في المواجهة الميدانية مع العدو المحتل، ليعطي درساً واقعياً لكل من يستطيع العودة إلى أرض المواجهة والرباط ولكنه لم يعد، وذهب إلى أنواع أخرى أقل كلفة وأقل أثراً في عالم الجهاد والمقاومة وعلى هؤلاء أن يرحمونا بصمتهم لأنه أكثر جدوى، وأكثر لياقة من خوض معارك صغيرة، وغير موجهة نحو العدو الحقيقي.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة الدكتور رحيل محمد الغرايبة جريدة الدستور