علم الطلع palynology أو علم الأبواغ sporology علم حديث ولد عام 1944، (بعد نشر كتاب ج. إردتمان G.Erdtman المعنون: «المدخل لتحليل الطلع» عام 1943)، ليمثل أحد العلوم النباتية التي تشمل جميع الأبحاث العلمية المستخدمة في دراسة حبات طلع pollen النباتات الزهرية، وأبواغ spores النباتات غير الزهرية. 
 

لمحة تاريخية

تمثّل النقوش الحجرية المنحوتة على جدران قصر آشور بني بعل(900ق.م) Assurbanipal، آخر ملوك الآشوريين، أشخاصاً تهز أكياس غبار الطلع لتلقيح نورات النخيل الأنثوية. كما نسب المؤرخ هيرودوت قبل 2500سنة هذه العملية إلى الآشوريين.
 
وقد مارس العرب تلقيح النخيل فقالوا: اللقَّاح: طلع الفُحال الذي تلقَّح به النخلة. وقالوا: اللقح: ما أخذ من الفُحال لِيُدسَّ في الأنثى. واستلقحت النخلة: آن لها أن تلقح.
 
أنكر أرسطو، في الثقافة اليونانية، وجود الجنسية المذكرة والمؤنثة في النبات، لذا ظلت تعاليمه سائدة في الغرب حتى مطلع القرن السادس عشر حيث تحسس جسنر Gessner فكرة وجود الجنسية في عالم النبات. وبقي الأمر كذلك حتى نهاية القرن السابع عشر عندما أثبت كاميراريوس Camerarius تجريبياً عدم نمو البييضة الأنثوية، في الأنواع الثنائية المسكن، إذا لم تلقح بطلع النبات الذكر. كما لاحظ كولريتر Kölreuter في القرن الثامن عشر دور الحشرات في التأبير الخلطي. واتَّضح دور حبات الطلع، التي تسمى أيضاً بالأبواغ الدقيقة microspores، في تلقيح النباتات الزهرية، ودور الأبواغ الدقيقة في تلقيح النباتات اللازهرية.
 

أهمية حبات الطلع

 
تمثل حبات الطلع النبات العروسي الذكري في النباتات الزهرية، أي إنها تحمل في داخلها الذخيرة التكوينية الممثلة بجينوم النوع النباتي من ناحية أولى، كما تعكس هوية النوع النباتي الذي كوَّنها من ناحية ثانية، الأمر الذي منحها مكانة خاصة في دراسة المستحاثات التي كانت تحدد أسماء النباتات المستحاثة بناءً على أجزاء منفصلة منها كالأوراق أو الثمار أو البذور، والتي لا يدل أحدها وحده على تحديد هوية النبات، بينما يمكن اعتماد حبة الطلع، رغم صغرها، للقيام بهذه المهمة، الأمر الذي جعل لعلم الطلع مكانة خاصة في تعرّف أنماط الحياة المعاصرة والحياة البائدة. كما تفيد حبات الطلع في تحديد الأنواع النباتية المسببة لأمراض التحسس من ناحية ثالثة، وتحديد المصادر النباتية المكوِّنة للعسل من ناحية رابعة.
 

طرائق دراسة الطلع

 
تتطلب دراسة الطلع تخليص حباته من موادها الدهنية. وتبدو حبات الطلع الطبيعية بالفحص المجهري كرات معتمة، غير متمايزة المحيط والتزين الخارجي، مقنَّعة بمواد عازلة. لذلك يعمد لدراسة الطلع إلى استخدام إحدى الطرائق الآتية:
 
ـ الطريقة السريعة: توضع كمية من الطلع الناتجة عن هرس عدد من المآبر الناضجة على صفيحة مجهرية. وتنظف سطوح حبات الطلع باستخدام مُحِلٍّ عضوي، أو حمض قوي أو أساس. ويُستَر المحضّر بساترة ويوضع تحت المجهر للدراسة.
 
ـ طريقة ودهاوس Wodehouse: وهي طريقة بسيطة وسريعة ومفيدة في حالات الأغشية الرقيقة. تتلخص هذه الطريقة بصب قطرات الكحول قطرة قطرة على صفيحة حاملة لحبات الطلع، حيث يترك جفاف كل قطرة هالة من المواد المنحلة حول كتلة الطلع؛ وإذا ما توقف تشكل الهالات تمسح الصفيحة بقطن مبلَّل بالكحول، وتوضع قطرة من الجيلاتين الغليسريني الملوّن بأخضر اليود، ويُستَر المحضّر بساترة للفحص المجهري.
 
ـ طريقة إردتمان: تَستخدم الأنبوب بدل الصفيحة، وتستخدم كمية أكبر من الطلع، وتستبعد كل المواد الدخيلة القابلة للانحلال، مؤثرة تلوين الجدران. وتتلخص بالعمليات الآتية: ينزع الماء من حبات الطلع بمعالجتها بحمض الخل النقي(الثلجي). تُوضع الحبات في حمام مائي مكوَّن من ثمانية أجزاء من بلا ماء حمض الخل وجزء من حمض الكبريت. وتُغسل الحبات بالماء باستعمال المثفِّلات. يضاف إلى الأنبوب محلول مشبع من كلورات البوتاسيوم التي يصب فوقها بضع نقاط من حمض كلور الماء للحصول على الكلور الوليد، وتغسل الحبات ثانية، وترفع على صفيحة في قطرة غلسيرين أو غليسيرين جيلاتيني. تقاس أبعاد الحبات بعد المعالجة بالانحلال الخلِّي acetolyse، بينما تُستعمل بقية الحبات لدراسة تفاصيل بنية الغلاف الطلعي.
 
أبعاد حبات الطلع: تراوح أبعاد حبات الطلع بين 2.5مكرون في طلع نبات آذان الفأر Myosotis و 200مكرون في طلع نبات القرع. وقد لوحظ وجود جميع الأبعاد المحصورة بين هذين الرقمين
 
 
توجُّهات حبات الطلع: تبدأ دراسة حبات الطلع بمعرفة توجهات الحبة في مجموعات الرباعيات tetrad. يطلق اسم الرباعية على حبات الطلع الأربع الناتجة من الانقسام المنصف المؤلف من انقسامين خلويين متتاليين، لخلية أُم مضاعفة الصيغة الصبغية، ومولدة لحبات الطلع الفَرْدية الصيغة الصبغية، تنقسم فيهما الصبغيات مرة واحدة لتعطي أربع خلايا مُنصفة الصيغة الصبغية والممثلة للخلايا العروسية. يوضح  المصطلحات المستعملة لشرح توجُّهات حبة الطلع ضمن بنية الرباعية:
 
أشكال حبات الطلع: تأخذ حبات الطلع أشكالاً دائرية أو متطاولة أو إهليلجية تظهر في ، وتكون متماثلة الأقطاب طويلة المحور (أ)، ومتماثلة الأقطاب قصيرة المحور (ب)، وشبه متماثلة الأقطاب (ج)، ومتباينة الأقطاب (د)، ومتباينة الأقطاب الإهليلجية (هـ).
 
بنية غُلف حبات الطلع: تحاط حبات الطلع بأغلفة مكونة من مواد كيميائية خاملة مقاومة للعوامل الخارجية تسمى الأَدَمة البوغية sporoderm. تحفظ جميع المعلومات التراثية التكوينية (أي الجينية الأبوية) اللازمة لإنجاز عملية التكاثر الجنسي، وتحميها من العوامل القاسية التي تستمر لفترات طويلة، عبر المسيرة المنطلقة من كيس الطلع إلى الهواء لتصل إلى العضو الأنثوي. تتكوَّن هذه الأَدَمة البوغية من طبقتين: طبقة داخلية محيطة بالبروتوبلاسما، قليلة المقاومة بالنسبة للعوامل الكيميائية، غنية بالبكتين، قابلة للانفصال عن الغلاف الخارجي، تبطِّنها لييفات سلولوزية، محيطة بالأنبوب الطلعي، تختفي بسرعة بعد موت المحتوى الخلوي تسمى إنتين intine أو دخلين، يتكوَّن منها غلاف أبواغ التريديات  المسمى البوغ الخارجي أو إكزوسبور exospore. وطبقة خارجية مكوَّنة من أكثر المركبات العضوية مقاومة في عالم الأحياء تسمى إكزين exine أو خرجين، تشكل المادة الأساسية المعتمدة في علم الطلع، والمركبة من مادة شديدة المقاومة تسمى سبوروبولينين sporopollenins، مكونة من تربينات. دلَّت الدراسات الحديثة، أنها ناتجة عن بوليميرات الكاروتينوئيدات وإستيراتها، التي لاتتفكك إلا بالأكسدة. ويمكن الحصول كيميائياً على الإكزين بسهولة، رغم بنيته المعقدة والمتنوعة. يتكون الإكزين من حبيبات granules قطرها من مرتبة 6نانو متر. 
 
يتكون إكزين عريانات البذور عادة من ثلاث طبقات: الداخلية منها صفيحية، والمتوسطة حبيبية ومنقوشة، والخارجية دائرية orbicular، وتظهر اختلافات طلع عريانات البذور بتنوع تشكيلاتها، أو غياب إحدى طبقاتها. بينما ينقسم الإكزين في مغلَّفات البذور (الشكل 3) إلى طبقتين: طبقة داخلية تدعا نيكزين nexine وطبقة خارجية تدعا سيكزين sexine. يتمثل النيكزين بطبقة داخلية متجانسة قلَّما تتغير بعيداً عن الفتحاتapertures والتي توجد وحدها في اللاريكس Larix من الفصيلة الصنوبرية، كما لا توجد في أجناس المغنوليا Magnolia والليمونيوم Limonium من الفصيلة البلومباجيناسية Plumbaginaceae. أما السيكزين فيختلف عن النيكزين، إذ يتألف من حبيبات مختلفة التنوع والانتشار، والروابط المميزة لحبات الطلع قطرها من مرتبة 6نانو متر (الشكل 3) فهو يتألف من عميدات columellae أو عصيَّات bacula وسقف tectum وإسمنت الطلع pollen cement. قد لايوجد الإكزين في بعض النباتات المائية، أو قد يتكون من طبقة واحدة ولكنه على الأغلب مكوَّن من طبقتين في طلع النباتات الهوائية.
 
فتحات غُلف حبات الطلع:  الفتحات apertures مناطق محددة من الإكزين، تظهر على غلف حبات الطلع، ضعيفة المقاومة، تنظم حجم الحبة بالنسبة إلى الرطوبة المحيطة، تخرج منها الأنابيب الطلعية، تأخذ أوضاعاً وأشكالاً مختلفة البنية والعدد والأبعاد. تتكون الفتحات في جميع سطوح الحبة أو في المنطقة الاستوائية أو في القطب. وتختلف في بنية حوافها وسطوحها وأعدادها التي تصل إلى المئة في الفصيلة الخبازية.
 
الأنماط الرئيسة لحبات الطلع: تصنف حبات الطلع في 24زمرة يتعذر شرحها في هذه العجالة، منها المتجمعات عادة في ثنائيات أو رباعيات أو متعددات، ومنها المنفردات المجنَّحة، وعديدة الطيات، وعديمة الفوهات، وإلى غير ذلك.
 
المخطط الطلعي palynogram: يحدد المخطط الطلعي كل صفات الحبة من: أبعاد وأنماط تزينات الإكزين والفتحات. ويحوي النقاط الآتية:  رسم كلي لمنظور الحبة وآخر بالتكبير الشديد لجزء من الغلاف. يحدد الرسم الإجمالي بالتكبير الضعيف شكل الحبة وصفات فتحاتها، في حين توضح الأشكال الجانبية المشهد بالتكبير الشديد حيث يظهر التوضع الطبقي stratification لجزء من الغلاف في ثلاثة مواضع. 
 
التركيب الكيميائي للغلاف الطلعي: يتكون الإكزين من مادة السبوروبولينين التي تتمتع بقدرة عالية على حفظ المكوِّنات الحيوية الطلعية، وتقاوم كل العوامل الكيميائية، والتي مازالت غامضة التركيب الكيميائي. فحبة الطلع المعالجة بمحلول الصود في درجة الغليان تفقد 25% من مكوناتها السكرية والدهنية والحمضية العضوية وكل البروتينات المكونة للمادة الحية. بينما تحتفظ الحبة بشكلها الخاص وبتمايز طبقتيه: فطبقة الإنتين تتلون بالملوِّنات السلولوزية بالإضافة إلى بعض المركبات البكتيكية والكالوزية الشائعة في بنيات الجدار الخلوي النباتي. وتفقد طبقة الإكزين محتوياتها السلولوزية وتحتفظ بالسبوروبولينين التي تكون ما نسبته 7ـ25% من كتلة الحبات الطلعية التي تراوح بنيتها الذرية ما بين C90H134O31 في القمح إلى C90H150O33 في النخيل. 
وقد دلت الدراسات الحديثة على تكوين حبات الطلع من المركَّبات التالية:
 
ـ المركَّبات الآزوتية: البرولين، والألانين، والهيستيدين، والميتيونين الأكثر غزارة.
 
ـ المركبات اللبيدية: تزول بعملية الأسيتوليز المستعملة للحرارة وحمض الخل.
 
ـ المركبات السكرية: تتمثل بنسب عالية من النشاء في بعض الأنواع واللاكتوز والسكريات الخاصة بالعالم الحيواني.
 
ـ الفيتامينات: أبرزها الفيتامين C بنسبة 6%. حمض النيكوتين الممثل لفيتامين PP المضاد للحساسية بنسبة 2%. الفيتامين D والفيتامين E موجودان بغزارة، وحتى الفيتامين A الموجود بشكل أصبغة كاروتينية.
 
ـ المواد الأستروجينية وحمض الباكتريوستاتيك لأرومات الكوليباسيل، وبعض أرومات البروتيوس والسالمونيلا بنسبة 1.85وحدة مضادة حيوية في حبة الطلع، التي تشرح الشغف الحالي بالمرممات الكامنة في حبوب الطلع، والعسل، والغذاء الملكي الذي يغذي الملكة واليرقات، والمنتجات التي تدخل في مكوناتها حبات الطلع من: دقيق، وحليب، وسكر معسل، ومساحيق التجميل، وإلى غير ذلك. وتؤكد هذه المواد فائدة عادة أخذ حبة يومية مقوية من محضرات طلعية لدى الاسكاندنافيين وفعاليتها بالنسبة للبروستات المزمنة المتمردة على كل استطباب.
 
ـ المواد المساعدة على النمو: الأسيد أندول أسيتيك، والجبريلين التي تمكِّن الأنبوب الطلعي من الولوج والوصول إلى الكيس الجنيني.
علم الطلع والتصنيف النباتي: تستعمل خصائص حب الطلع في تحديد القرابة التصنيفية: وهكذا تمثل الوحدات التصنيفية المتجانسة الصفات الطلعية وحدات طبيعية، بينما تمثل الوحدات التصنيفية المتباينة الصفات الطلعية وحدات تسلسلية. وكثيراً ما تستعمل صفات حب الطلع للفصل بين الأجناس. يوضح  بعض نماذج النباتات أحاديات الفلقة: كالنجيل، والذرة، والكاركس، والأفيلنتس، والنخيل والزنبق. بعض نماذج النباتات الثنائيات الفلقة: كالنعمان، الكليماتيس، والكينوبود، والسرنغا، والبقدونس، والسنط، والناستورسيوم، واللافاندولا، وندى البحر، والأغروستيما، والتوسيلاغو أو طارد السعال، والقطلب، والطرخشقون، والبيليس، والأرطماسيا أو للشيح متابعة بعض نماذج النباتات الثنائيات الفلقة: كالنمفية، والفلفل، والمغنوليا، والحور، والنيلوفر، والصفصاف، والبتولة، والسنديان، والزان، والكستناء، والألنوس، والتيلو، والألموس، والجوز
 
 

المراجع

الموسوعة العربية

التصانيف

الأبحاث