عندما وصلني مغلف كبير ثقيل الوزن من الصديق الدكتور حسن جمعة حماد استبشرت خيرا ، وتوقعت أنه أرسل لي كتابا ، ولكن لم يكن يخطر ببالي مطلقا عند فتحي للمغلف أن صديقي ألّف كتابا كاملا عن "المنافقين" يتحدث عن صفاتهم ، وخطرهم ، وكيف تحمي نفسك من النفاق والمنافقين ، وقد قدم للكتاب سماحة العالم الجليل الدكتور عبد العزيز الخياط.
أول فكرة خطرت لي عندما باشرت بتصفح الكتاب هي ما الذي فعله المنافقون بمؤلف الكتاب حتى يكتب كتابا كاملا عنهم وبكثير من العاطفة الصادقة ، ولاشك أن سماحة مقدم الكتاب قد اكتوى هو الآخر بنيران المنافقين حتيانه كتب مقدمة بهذه البلاغة.
أروع عبارة قرأتها في الكتاب هي عندما يصفهم المؤلف فيقول "فإذا نظرت إلى النفاق وجدته طبخة شيطانية مركبة من جبن وطمع في المنافع و جحود للحق ، ولك أن تتخيل ما ينتج عن خليط كهذا من هدم وخراب في حياة الأفراد والمجتمعات".
كما يتحدث الكاتب عن أنواع النفاق فيقسمه إلى النفاق الأكبر والنفاق الأصغر ، والنفاق الأكبر هو أن يظهر حسن دينه ويبطن عكس ذلك ، وأعتقد بأن هذا النوع من النفاق قد انقرض ، بل على العكس أصبح التعدي على الأديان والتفاخر بالكفر والاستهزاء بالرسل والكتب السماوية أمرا طبيعي وسبيلا للحصول على المكاسب ، فكثيراً ما يبطن الشخص دينه تماشياً مع المجتمع الذي يعيش فيه.
منذ أسابيع وفي شهر رمضان المبارك قمت بتقديم العزاء لأحد الأصدقاء ، فقُدمت لي القهوة السادة فاعتذرت لصيامي ، فبدأت تنهمر علي التعليقات التي تسخر من رغبتي في الدخول إلى الجنة ، والتشكيك بالجنة أساساً ، وكان من الحضور مَن يقتبس مًن أغنية أسمهان "دي فيينا روضة من الجنة"،
أما النفاق الأصغر فهو أن يظهر الإنسان ما لا يبطنه، وهذا منتشر كالنار في الهشيم ، والفكرة الغريبة التي جاءتني أن المنافقين هم الذين ينتصرون في الدنيا ، وهم الذين يتبوؤون أعلى المناصب ، وهم من بيدهم السلطة والمال والجاه.
أما إذا كنت صاحب مبدأ فحتما ستدفع ثمناً لذلك المبدأ ، والتاريخ يزخر بآلاف القصص ، فمن خبيب بن الأرت ، إلى صدام حسين ، فخبيب دفع (في الحياة الدنيا) ثمن موقفه الديني ، وصدام دفع ثمن موقفه السياسي ، وإثباتاً لهذه النظرية أسوق قصة المتنبي الذي أمضى حياته في نفاقه لساسة زمانه ، ولكنة مات دفاعا عن رجولته وكبريائه وشجاعته. وكان المتنبي قد هجا ضبة الأسدي بقصيدة شديدة قال في مطلعها:
ما أنصف القوم ضبة وأمه الطرطبة
وإنما قلت ما قلت رحمة لا محبة
فلما كان المتنبي عائداً من الكوفة رآه جماعة من أهل ضبة فهرب منهم ، فقال له غلامه ، أتهرب وأنت القائل:
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
فقال المتنبي: قتلتني يا هذا ، فرجع فقاتل حتى قتل.
وقبل أن تُدخل هذه النظرية الإحباط والأفكار الهدامة إلى نفس قارئي العزيز أقول: إن إثبات خطأ هذه النظرية أمر منوط بنا جميعاً ، وهو بمتناولنا إذا ما عقدنا العزم ، ورفعنا حوائجنا من أيدي العباد فلم نقف إلا بباب مالك الملك رب العباد. مما يسوقني إلى الفكرة الأخيرة التي خطرت لي أثناء قراءتي لكتاب "المنافقون". إننا مسؤولون عن السماح للنفاق أن ينمو ويترعرع ، فالسياسي الذي يرفض الرأي الآخر ، والمدير المستبد الذي لا يبالي بقطع الأرزاق ، والأب الصارم بدون وجه حق ، والمعلم الذي يفرغ كبد معيشته على التلاميذ بأسلوب سادي ، كلها نماذج تغذي النفاق إرضاء لأولياء النعمة وأصحاب القرار ، فكما يقول لافونتين "الكذاب والدجال والمتملق يعيشون على حساب من يصغي إليهم".
وأخيرا أنصح من تعرض لمؤامرات المنافقين أن يقرأ الكتاب ، فلعله يجد فيه بعض الحلول ، وإلا فبالتأكيد سيجد فيه السلوى.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة اسماعيل الشريف جريدة الدستور