"المهم المحاولة وهي أهم من النتيجة" عبارة تتكرر دائما حين تخاطب زوجتي الأبناء أثناء تدريسهم ، وهذا تماما ما يؤمن به معظم الناس: أننا حاولنا في حرب عام 1967 ، وفشلنا ، فضاعت القدس والضفة الغربية والجولان وسيناء ، وضمت إسرائيل أربعة أضعاف مساحتها في ستة أيام. ونناقش كثيرا لماذا دخلت الدول العربية الحرب وهي غير مستعدة لها ، ونتراشق اتهامات الخيانة بين هذه الدولة وتلك.
ولكن الحقيقة المرة أننا في حرب عام 1967 لم نحاول أبدا ، فإسرائيل هي التي بدأت بهجوم مفاجئ على مصر في 5 حزيران. قال مناحيم بيغن في عام 1982 "إن حرب عام 1967 كانت خيارنا". ولعل أكبر إهانة لنا كانت ما قاله الجنرال بيليد"إن الزعم بأن القوات المصرية قد احتشدت على حدودنا وكانت قادرة على تهديد وجود إسرائيل ، فهذا بحق يهين ذكاء أي شخص ولا سيما الجيش الإسرائيلي".
إن الهدف ببساطة كان توسيع رقعة الأراضي المحتلة ، فبعد يومين احتلت إسرائيل القدس الشرقية ، وفور ذلك أعلن القادة الصهاينة أنهم لن يتخلوا عنها ، وأنها أي القدس هي العاصمة الأبدية لإسرائيل ، وقامت فورا ببناء المستوطنات وطرد السكان العرب من البلاد التي احتلتها.
ويتزامن خطاب الرئيس الأمريكي مع نكسة عام 1967 ، والذي استمعت إليه من قاعة الانتظار خارج عيادة أمراض القلب والشرايين ، وكُلّي آذان صاغية شأني شأن ملايين العرب. ولم أجد وصفاً للحال أصوَب مما قالته موظفة الاستقبال التي علقت بكلمتين اثنتين: "صَبّة خضرا،". طلبت إيضاحاً لهذا المصطلح فقالت: إن قصة هذا المصطلح ظهرت أثناء الانتداب البريطاني ، حيث نُصب علم وصُبَّ اسمنت لتثبيت السارية ، وعُيًّن جندي وظيفته فقط حماية الاسمنت حتى يجف ، فكان يمنع الاقتراب مرددا: "صبة خضرا". جَفَّت الصبة إلا أن الجندي بقي مرابطاً عند السارية ، محذراً كل من يقترب: "صبة خضرا" لسنوات تلت،. انتهت القصة وأيضاً لم أفهم المقصود ، ولم أتوصل للرابط العجيب بين الحادثتين مع اختلاف المسافة الزمنية بينهما. فأجابتني: يبدو أنك بحاجة الى طبيب دماغ وليس لطبيب قلب، ومع هذا قالت موضحة: يبقى الوضع كما هو عليه. وأضفت قائلا: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". خطاب أوباما في تقديري لن يرضي أحداً. فالثكالى واليتامى والمشردون وأصحاب الأوطان المحتلة والموارد المغتصبة كان من حقهم سماع كلمة اعتذار صريحة من الرئيس الأمريكي من أرض الكنانة. والعرب لم يعجبهم كلامه حين وصف علاقة دولته بإسرائيل بالتاريخية في حين لا يتجاوز عمر الكيان الصهيوني الستين عاماً ، وترديده لكليشيهات صهيونية على أنها حقائق ثابتة لا يشكك بها إلا جاهل. بينما أكد على "حقوق" اسرائيل على أنها ثابتة وتاريخية وغير قابلة للنقاش نجده اختزل الحقوق الفلسطينية في نداء لإيقاف المستوطنات وتحسين الظروف المعيشية ودولة يعلم الله من سيتحكم في حدودها وأين ستكون عاصمتها. وبالنسبة للصهاينة فلن يعجبهم حديثه عن الإسلام ورفضوا تماماً تجميد الاستيطان ناهيك عن وقفه ، وعن حل الدولتين. أما بالنسبة للأمريكان فخطابه إهانة لعقلية الهيمنة الأمريكية واشارات ضعف للامبراطورية. وقد يفهم من كلامه بشكل ضمني أن غزو العراق كان اختياراً غير موفق سيعمل على تصويبه ، فلم يُرض العرب باعتذار صريح ، ولعله أغضب الأمريكان بانتقاده المبطن.
يبدو أن الموقف الامريكي الجديد سيعيدنا ببساطة لمرحلة ما قبل عام 2001 ، التي لم تكن إلا مرحلة التأييد التام لإسرائيل على حساب العرب ، ولكن قبل إعلان الحرب من طرف واحد على الإسلام. ولا ننسى أبداً في ذكرى النكبة موقف الولايات المتحدة الداعم لإسرائيل آنذاك كما هو دائماً ، فعندما قال وكيل الخارجية الأمريكية يوجين روستو "إن الولايات المتحدة محايده في الكلمة والتفكير والعمل" قامت الدنيا ولم تقعد ، فتناقلت ذلك وسائل الإعلام باستغراب شديد ، واحتد غضباً جون روش كاتب خطابات جونسون ، ووجه له مذكرة قال فيها "لقد تملكني الفزع عندما أدركت أن هناك ميلاً خفياً لتقبيل أدبار العرب ، وإن مجرد التحدث إلى العرب بكلام معسول هو احتقار لنا،". ويذكر بول فندلي في كتابه "الخداع" أن وزير الخارجية الأمريكية أجّل لقاءه عدة مرات مع نظيره الروسي أثناء حرب 1967 حتى لا يضغط عليه لوقف إطلاق النار.
وبعد أكثر من ثلاثين عاماً على النكبة ولغاية هذه اللحظة لم نحاول بشكل جدي استعادة الأوطان المغتصبة ، ولا حتى اتخاذ موقف واضح من الأحداث ، وإذ بدأت الأفكار والمصطلحات الصهيونية تتسلل إلى عقولنا وقواميسنا ، اقتصرت محاولاتنا على ترسيخ بذور الخلاف والشقاق فيما بيننا.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة اسماعيل الشريف جريدة الدستور