ونحن نحتفل بالعيد العاشر لتولي جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين سلطاته الدستورية ، نتساءل لماذا يحب الأردنيون ملوكهم الهاشميين بهذا الحب الجارف العفوي. كنا نتغنى بهم منذ الصغر ، فكانت اغنية "معه وبه انا ماضون.. فلتشهد يا شجر الزيتون" رددناها أطفالا وكبرنا معها في زمن لم نشهد فقط شجر الزيتون فحسب ، وانما أشهدنا كل حجر ، وكل ذرة من تراب الوطن ، كان ذلك عام 1977 عندما احتفلنا بالعيد الخامس والعشرين لتسلم جلالة الملك المرحوم الحسين بن طلال طيب الله ثراه سلطاته الدستورية ، وكنا نعتقد آنذاك مخطئين أن قلوبنا لن تتسع لحب ملك آخر. ولكن عندما جاء عبدالله الثاني كبرت قلوبنا وملأها حبا بحجم الوطن ، فخرجنا جميعا بفرح عفوي عارم من شمال المملكة إلى جنوبها ، وفي كافة بيوت الأردنيين والعرب الأحرار في ارجاء المعمورة ، مبتهلين إلى الله عز وجل ان يحفظ لنا جلالته ، وان يمد لنا في عمره ، وان يسدد خطاه ، حتى يكون لنا دائما الأب الحاني والمظلة التي نحتمي بها عند الشدائد ، والسفينة التي توصلنا ومن بعدنا اولادنا إلى بر الأمان.

في حديث صحيح يقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم "لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان" بإجماع العلماء الخلافة مختصة بقريش ، وعلى هذا مشى السلف الصالح ، وعلى هذا استند سيدنا ابو بكر رضي الله عنه يوم السقيفة فلم يعترض عليه احد ، فجاء الخلفاء الأربعة من قريش تبعهم الأمويون فالعباسيون إلى ان سقطت الخلافة في عام 656 هجريا ، فتشرذمت الأمة وضاعت البوصله وبقى من ذلك الزمن حنين كبير يشدنا دائما إلى تلك العصور الذهبية من الحكم الإسلامي أيام حكم قريش. فقد حاول المغفور له الشريف الحسين بن علي إعادة الأمجاد الغابرة ، إلا أن قوى الإستعمار كانت له بالمرصاد ، لاحباط اي محاولة لوحدة العالمين العربي والإسلامي مرة اخرى ، وقدم الهاشميون الشهيد تلو الشهيد دفاعا عن قضايا الأمة ودفاعا عن الحق والعدل من أيام سادتنا جعفر الطيار ، وحمزة بن عبدالمطلب ، مرورا بسيديّ شباب اهل الجنة الحسن والحسين ، وثائري الحق محمد النفس الزكية واخيه ابراهيم ، وليس انتهاء بالشريف الحسين بن علي ومن بعده الملك الشهيد عبدالله الأول ، فهذا شأن بيت النبوة.

في الأردن لا نتحدث عن قريش بل عن صلب قريش وصفوتها سلالة نبينا العظيم الذي نصلي عليه كلما ذكر اسمه ، والذي نبكيه كلما قرأنا سيرته العطرة بعد أكثر من ألف وأربعمائة عام على وفاته ، ومن ضمن ما ترك لنا حفيده الثالث والأربعين عبدالله الثاني.

تذكرنا سياسة جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين ما قيل في سيدنا عمر رضي الله عنه "حكمت فعدلت فنمت يا عمر" فكم من ملك يخرج متخفيا دون حرس ودون اي مراسم لتفقد احوال شعبه ، فنراه تارة في مستشفى البشير ، وتارة في مؤسسة حكومية كوحدة شؤون المرضى ، وتارة يقبل يد عجوز في قرية نائية اثناء تفقده المناطق المنسية منا جميعا الا من جلالته ، ليكون لهم النصيب الوفير من رعايته واهتمامه. فيخرج شعبه لاستقباله والالتفاف حوله دون تكلف او حاجز ، في صور تتناقلها وسائل الاعلام لمليك يخرج بلا تبرج ولا مواكب واسلحة مدججه لتحميه ، بل لا يحميه الا الله سبحانه وتعالى ، وحب شعبه واخلاصه لملك تنوعت الصور التي يجسدها للعطف والحنان الرعاية لشعبه ، منها ما تتناقله وسائل الاعلام ، والكثير من تلك القصص لا يعرفها إلا جلالته ، وكم من قرارات اتخذت منه شخصيا بعيدا عن أجواء البهرجة الإعلامية.

قال رجل يوما لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه: "اتق الله يا أمير المؤمنين ، فوبخه رجل آخر على قوله هذا ، فاجابه عمر: دعه ، فليقلها لي ، نعم ما قال ، لا خير فيكم إذا لم تقولوها ، ولا خير فينا إذا لم نقبلها منكم ، ليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاه ، ولا تصلح الولاه إلا باستقامة الرعية". قال جلالة الملك عبدالله الثاني بملء الفم "انه يريد حرية سقفها السماء" وفي عهده الميمون تعزز دور الأحزاب ، وسمح للأصوات المعارضة ان تقول ما لديها ، ومارست الأجهزة الأمنية المختلفة عملها كما يجب ان تمارسه حامية للوطن ومواطنيه ، محترمة حق المواطن في التعبير عن رأيه واحترام الرأي الآخر مهما كان فجا جافا ، طالما بقى بعيد عن الغوغائية والمزاجية هدفه مصلحة الوطن. نفتخر في الاردن بعدم وجود معتقلي رأي او معتقلين سياسيين ، تتعامل الأجهزة الأمنية باحترام (مبالغ فيه احيانا) مع المواطن ، فحرمات البيوت لا تنتهك إلا بمذكرة من المدعي العام ، ولا نسمع عن زوار الليل ولا حتى النهار. وضابط المخابرات يحقق معك وأنت تتناول الشاي معه ، ويتحدث معك بلباقه لا تراها في أوساط الشركات الربحية. والشرطي يتعامل بلباقة عند مخالفتك ناصحا لك بقواعد السلامة المرورية.

قال الأقدمون "لا يكون الحب صادقا إلا إذا كان متبادلا" فالملك يحبنا ونحن نحبه ، ويحبنا بحرصه الشديد علينا وعلى وطنه ، فمنذ عشر سنين وجلالته يصل الليل بالنهار في سبيل رفعة رعيته وأمته ، ما أن يتم اطلاق مشروع او مبادرة إلا ويفاجئنا بمبادرة اخرى ، فهو صاحب المبادرة دائما ، وهذه الشرارة التي تشعل فينا العمل والأمل والعزيمة ، وهو الملهم المعلم لحكومته وشعبه.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   اسماعيل الشريف   جريدة الدستور