واحد من كتابي المفضلين روبرت فيسك ، أحد ألمع الصحفيين والكتاب البريطانيين ، عندما يتحدث عن الشرق الأوسط يتحدث عنه كأحد أبنائه فهو يعرفه جيداً ، يعيش في لـبنان منذ نهايات السبعينيات ويعمل مراسلاً لصحيفة الاندبندنت البريطانية للشرق الأوسط ، وشهد وغطى أحداثاً مفصلية في الشرق الأوسط كمذبحة صبرا وشاتيلا والثورة الإيرانية ومن ثم الحرب العراقية الإيرانية وحرب الخليج الأولى ، وأخيراً حرب غـزة ، اراؤه لا تعجب أحداً إلى حد رميه بالجنون لأنه يقول الحقيقة من وجهة النظر المقابلة ، وهو من المعارضين لسياسة أمريكا وبريطانيا في الشرق الأوسط.
في إحدى المقابلات التلفزيونية عندما سُـئًل: من الأسوأ بوش أم أوبـاما؟ أجاب بسرعة وثقة: بالطبع أوبـاما ، فبوش واضح وصريح أما أوبـاما فيقول شيئاً ويفعل شيئاً آخر ، ولم يقدم لنا أي شيء مما وعد به لغاية الآن.
ما قاله السيد فيسك صحيح ، فـأوبـاما طرح شعار التغيير ، وبعد سنة من حكمه لم يتغير أي شيء على صعيد السياسة الخارجية وهو ما يهمنا ، فقد وسع رقعة ما يسمى الحرب على الإرهاب ، وأدخل دولاً أخرى لتخوض حرب أمريكا كالباكستان ، والآن يمارس الضغط على اليمن ، ولم يفتح صفحة جديدة مع العالم الإسلامي كما أعلن من القاهرة فالعداء مستمر لسوريا وإيران والسودان وحماس وحزب الله.
وفي العراق وأفغانستان ، اللذين وعد بالانسحاب منهما بحلول صيف عام 2011 ، لا توجد أية مؤشرات على هذا الانسحاب ، فما زال قوام الجيش الامريكي في العراق يبلغ 120 ألف جندي ، وزاد عدد قواته في افغانستان 30 ألف جندي في نهاية العام الماضي بعد خطبة عاطفية عصماء ، هذه الحروب التهمت لغاية الآن تريليوني دولار كانت كافية ليعيش العالم أجمع في رخاء وسعادة ، وسيأتي عام 2011 ولن تنسحب القوات الأمريكية ، فلغاية الآن لم تحكم سيطرتها ، ولم تؤسس لحكومة قادرة على ضبط الأمن وإدارة البلد ، بل على العكس تماماً فأخطر بلدين في العالم اليوم هما العراق وأفغانستان.
قال إنه يريد تحسين العلاقة مع روسيا والصين ، والعلاقة لم تتحسن بل ساءت ، وهذه الأيام تشهد العلاقات الأمريكية الصينية أزمة لم تشهدها منذ سنوات.
أغلق معتقل جوانتانامو ، ولكن استُـبدًلَ بالعديد من السجون السرية ، ومن ضمن هذه السجون ما يطلق عليها السجون المظلمة التي يقضي فيها السجين أيامه في ظلام دامس لا يدري أين هو ، ويُوهم السجين الأفغاني على سبيل المثال أنه تم نقله إلى بلد آخر بعد أن يذهب في "نزهة" بالطائرة ولكن في نهاية المطاف تعود الطائرة إلى بلد الاعتقال. وما زال هناك حوالي 250 سجيناً دون محاكمة لغاية الآن.
وعلى صعيد القضية الفلسطينية ، كان وعده واضحاً: سلامّ عادلّ وشاملّ يحفظ حقوق الفلسطينيين مع نهاية عام 2009 ، ولكن بدأت التنازلات تتوالى شيئاً فشيئاً إلى أن وصلت إلى الضغط على الفلسطينيين للقبول باستئناف عملية السلام دون أية شروط مسبقة ، و ها هو يتحدث الآن عن إعــادة توزيع فلسطينييّ ,48
وبعد عام من حكمه أصبح أوبـاما يتحدث تماماً كسلفه ويستخدم مصطلحات زرع الديمقراطية والحرية ، والعداء لأسلوب الحياة الأمريكية ، وأصبح يتصرف تماماً ككل الرؤساء السابقين لأقوى قوة في العالم ، فالمصالح وجماعات الضغط والمتنفذون خلف الكواليس هم الذين يلعبون الدور الأكبر في رسم السياسة الأمريكية ، ويبقى أوبـاما من أكثر الرؤساء جاذبية وخطيباً "مفـوّهاً" تُـدرّسْ خُطَبُـهُ في الجامعات ، ولكنه في النهاية رئيسّ أمريكي كأي رئيس سبقه أو سيأتي بعده ، بل قد يكون أسوأ على رأي فيسك ، والحقيقة أنه أو غيره ليسوا مجبرين على الوفاء بوعدْ قطعوه ، ما لم تتوفر أدوات الضغط التي تلزمهم بهذا الوعد. وكما يقال كلام الليل يمحوه النهار.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة اسماعيل الشريف جريدة الدستور