" إياك والاتكال على المنى فإنها بضائع الموتى"
الإمام على بن أبي طالب
كما نلمس هذه الأيام ، فالعالم يمر بأزمة مالية خانقة ، تأثرنا بها جميعاً ، ولكن مع هذا فثمة أعمال ازدهرت نتيجة لهذه الأزمة ، ومن هذه الأعمال ما يسمى (off shoring) أي التعاقد الخارجي ، وهي التعاقد مع شركات خارج حدود البلد لتقديم خدمات عن بعد.
نتيجة لهذه الأزمة الاقتصادية ، تسعى المؤسسات العالمية الكبرى إلى تخفيض مصاريفها ، فعلى سبيل المثال ، استغنت شركة IBM العملاقة عن خمسة آلاف وظيفة ، وفقد 8% من موظفي البنوك في الولايات المتحدة وظائفهم ، ومن الطرق التي تتبعها هذه الشركات لخفض مصاريفها تكليف شركات أخرى في بلدان أخرى لتقديم خدمات لها بكلف أقل بكثير مًن لو قامت الشركة الأم بإدارتها مباشرة.
يقدّر حجم التعاقد الخارجي بحوالي 30 بليون دولار في عام 2009 ، وارتفع في آخر سنتين بنسبة %25 حسب دراسة أعدتها مؤسسة (كيربي) للاستشارات المالية والإدارية.
ودول مثل الهند والصين وماليزيا تتربع على عرش هذه الصناعة منذ سنوات ، وتقدم خدماتها في مجال البرمجة والتكنولوجيا ومراكز الاتصال وخدمة الزبائن وإدخال البيانات ، وامتدت خدماتها لتشمل أعمال الموظفين الذين استغنت عنهم الشركات الكبرى مثل الخدمات الإدارية والمحاسبية والقانونية والموارد البشرية.
الأمر بسيط جدا في ظل هذه الثورة في مجال الاتصالات ، فبحاسب وسلك تلفون أو إنترنت وبشخص مؤهل يمكنك أن تلغي البعد و تختصر المسافات.
وقد قامت مؤسسة (كيربي) بتصنيف خمسين دولة على مستوى العالم تصلح للقيام بهذه الأعمال ، واستندت على ثلاثة معايير أساسية في تصنيفها لتلك الدول أولها الجاذبية الاقتصادية مثل الأجور وأسعار الكهرباء والاتصالات وأسعار تذاكر السفر ورسوم التراخيص والمعيار الثاني يعتمد على القوى البشرية مثل مستوى التعليم ، واللغة وحجم القوى العاملة ، وحجم البطالة ، ومستوى الإداريين ، وعدد العاملين في قطاع التكنولوجيا ، أما المعيار الثالث فهو يقيّم بيئة الأعمال من حيث درجة المخاطرة ، والاستقرار السياسي ، والبنية التحتية وقوانين الحماية الفكرية.
وحصلت الأردن وفق هذا التصنيف على مركز متقدم وهو المركز التاسع بين الدول المناسبة لهذه الأعمال ، وسبقتها فقط مصر من دول المنطقة ، نظراً لحجم القوى البشرية فيها. وتميزت الأردن في الجاذبية الاقتصادية وبيئة الأعمال وبدرجة أقل في القوى البشرية.
وتتطلع الشركات الكبرى إلى مؤسسات خدماتية توفر لها كلفاً قليلة وعمالة مؤهلة ومستوى خدمة عالي الجودة.
أسوق كل هذا لأقول أن هنالك فرصاً ما زالت متاحة أمامنا لاستغلالها ، ولا مجال أن نقف ونندب حظنا وننتظر حتى يتحسن الاقتصاد مرة أخرى فكما يقول أهل المكر والدهاء الإنجليز: "إذا شئت أن تحصد المال فازرعه" ، إذن من المفروض أن تتحرك المؤسسات الحكومية وغير الحكومية المعنية لمأسسة هذا القطاع وتسويقه والاستفادة من تجارب الآخرين طالما أن الأردن لديه الإمكانات الأساسية للنجاح في هذا العمل ، مع العمل على تحسين مستوى الطاقة البشرية من خلال العناية باللغات الأجنبية ، وترسيخ أخلاقيات العمل ، والتعليم والتدريب.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة اسماعيل الشريف جريدة الدستور