«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ» آل عمران 118
تتسمّر أمام التلفاز وأنت تنظر إلى بعض الزعماء العرب، وتسرح في السر الذي يجعلهم لا يشيخون أبداً، كأن الزمن قد جانبهم كما جانبوا شعوبهم، شعورهم سوداء ووجوههم كأنها من الشمع، وتقف وراءهم ماكنة إعلامية مهمتها الأساسية إظهار الزعيم بأنه «سيّد الشباب» وكله نشاط وحيوية، وأنه يقف على كل كبيرة وصغيرة، ووقته مشغول دائماً في قضايا العالم وقضايا شعبه.
ولكن بعد أن سقط البعض، بدأت بعض الخبايا تظهر للعلن، فمبارك كان يرى العالم بعيون ابنه ومدير مكتبه، ولم يكن يقرأ التقارير أو يجتمع برجال دولته، وصاحب العبارة الشهيـرة «فهمتكوا « بن علي لم يكن يفهم إلاّ ما تريده زوجته إفهامه.
أما بقيّة الزعماء الذين انتبهوا إلى أن الطوفان على أعتابهم، فيحاولون إجراء الإصلاحات التي يريدها الشعب، ثم لا تجد محاولاتهم صدى لدى أجهزتهم التنفيذية. القناعة التي وصلتُ إليها، تفيد بأن جزءاً كبيراً من الزعماء العرب لا يحكمون أصلاً، وإنما هم أسرى أنظمتهم، وبكلمة أدق بطاناتهم.
والبطانة مصطلح غامض نطلقه على عالم سرّي يعمل خلف الكواليس، يعيشون تحت الأرض وربما في دائرة الضوء، عالم من رجال الأعمال والمستشارين السياسيين والأقارب والأصدقاء المقربين، وهو اليوم عالم بشع مليء بالدسائس والمصالح الضيّـقة وأشكال الفساد، يعيشون داخل أوطاننا وأيديهم في جيوبنا ولكن لديهم امتدادات خارجية، وجنسيات وبيوت وحسابات وأعمال وحياة خارج البلاد.
هذه البطانة في الأساس من عمل الحاكم، فعندما يصل إلى الحكم ولأنه لا يثق بأحد لعلمه في قرارة نفسه أنه اغتصب الحكم، أو لأنه ببساطة قد أعماه وهج السلطة ولا يريد أن يفارقها، أو لمعرفته بمحدودية قدراته وخوفه من المنافسة يبدأ بتقريب الناس المتسلقين والتافهين والفاسدين، ويصفـّـي خصومه الوطنيين الصادقين الذين يقدّمون له النصح.
ومع الوقت يصبح لهذه البطانة بطانات تشكل نظام حكم متكامل مبني على المنفعة والقمع، له تقاليده ومحدداته ومفاتيحه وبلطجيته, ولا يلبث أن يقوى النظام على الزعيم، ويحسب له الزعيم ألف حساب، وتؤول مسؤولية الحكم إلى حماية مصالح هذا النظام، ويصبح الحاكم واجهة من الأقوال والامتيازات بينما يرسم سياساته نظام أخطبوطي بلا مبدأ ولا انتماء.
فلا الزعيم يستطيع أن يحقق مطالب شعبه حتى وإن أراد ولا هو يستطيع الخروج على نظامه صنيعة يديه، وعندها يسقط الرئيس، فنبدأ بالتعرف على بطانته، هذا ضبطت معه حقيبة تحتوي على ملايين الدولارات في مطار ما، وذاك تم الحجز على حساباته وهكذا.
عندما استلم أوباما حكم الولايات المتحدة، سرّح أربعة آلاف شخص من موظفي الإدارة السابقة، وجاء بإدارة جديدة متجانسة لتعمل حسب رؤية محددة، وهذا ما أفهمه على أنه نظام حكم, فالدول تحكمها الدساتير والمؤسسات وجهات الضغط ولا تغرق في الفوضى كلما تغيّرت الشخوص.
لا أريد أن أكون متشائماً جداً، ولكن أقول كان الله بعون حكـّـامنا العـرب، وهيأ لهم البطانة الصالحة، فالتغييـر الحقيقي صعب.. صعب.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة اسماعيل الشريف جريدة الدستور