“المساواة من صنع اللـه، والتمييز من صنع البشر” زينون

تخيل معي قبل أيام وأنا أدخل متجرا ضخما، رأيت مشهدين متناقضين ومتزامنين. الأول لسيدة وخادمتيها يفرغن محتويات عربتين في صندوق سيارتها لسلع أعرف بعضها، ورجل وامرأة يجرون أطفالهم الثلاثة، يهمس لأبنته عيديتك زيارة المتجر، بشرط المشاهدة فقط، واستنتجت أنه عيد ميلادها .

ذكرني هذا بمقال نشر قبل فترة وتأثرت به، مقال لم ير النور في الصحف، ليصبح واحدا من أكثر المقالات قراءة على الانترنت، يتحدث المقال عن التباين الاقتصادي في مجتمعنا ويضرب مثالا أن البعض يستحم بالحليب، وقد يكون سبب عدم النشر هو الخوف من أن يكون المقال تحريضيا، ولكن في زمن الانترنت من يستطيع منع أي شيء؟ وعادة ما يعطي قرار المنع مقروئية أو مشاهدة أعلى، فكما يقال كل ممنوع مرغوب.

يحتمل أن يكون ما كتبه الكاتب صحيحا أو مبالغا فيه، ولكن المهم أن المقال قد قرأه مئات الآلاف من الناس، من جنوب المملكة إلى شمالها، وقرأه من يإن طفله الرضيع جوعا، ولا يستطيع توفير الحليب له، تخيل معي درجة الغضب والإحباط لدى هذا الإنسان وهو محق، وألا ترى معي أن هذا الشعور قد يتبعه عمل .

في عصر “الإنترنت” أصبح كل شيء متاحا للجميع، نشاهد حياة مسؤولينا الباذخة ونقرأ عن فساد البعض، ونعرف أننا نعيش تباينا طبقيا لم نشاهده عبر التاريخ .

غرد البرادعي على تويتر إبان الثورة المصرية ملخصا أسباب الثورة في مصر،90 %ممن قام بالثورة ثار “لأنه لا يعمل ومش لاقي يأكل وما عندوش سكن” .

واتفقت الدراسات بدرجة كبيرة، بأن معدل البطالة المرتفع، وخصوصا في أواسط الشباب الذين يشكلون غالبية السكان، والفجوة الآخذة في الاتساع بين الأغنياء جدا والفقراء جدا كانت الدوافع الأساس لقيام الثورات العربية في العالم العربي .

فغياب العدالة الاجتماعية، ووصفات البنك الدولي وتمازج السياسة بالمال أدى إلى نشوء مفارقات شاسعة. فهناك أناس يستحمون بالحليب وأناس لا حليب لأطفالهم، وهنا قالب كيك يباع في عمان بخمسة آلاف دينار بينما قرى كاملة لا يعرف أطفالها طعم التفاح، وهناك خمسة عشر ألف دينار قيمة أعيرة نارية تطلق في أعراس، ونصف حضور هذا العرس يعيشون بثمن طلقتين يوميا.

يرى الإنسان ويقرأ عن مكافآت رؤساء مجالس إدارة الشركات التي تسهم فيها الحكومة، فيصاب بالصدمة إزاء المبالغ التي تصل إلى أكثر من ربع مليون دينار سنويا عدا الامتيازات، مقارنة براتبه الذي يصل إلى ربع ألف دينار شهريا، ويعرف أن مؤهلات مديره صداقة، أو رد جميل أو منفعة متبادلة أو قرابة، يعرف أنها أي شيء سوى الكفاءة والمهنية، فلا هو يستطيع تبرير ارتفاع راتب مديره ولا يرى سببا لانخفاض راتبه.

فلا عدالة في شغر الوظائف و فرص التعليم والعلاج، ولا حتى في الشارع وفي المؤسسات العامة والخاصة، فالحياة لمن يملك المال، وأصحاب الكرامة لهم الله .

ومع تلاشي الطبقة الوسطى التي هي عماد أي مجتمع والقوة المحركة له، أصبح نجوم المجتمع هم أصحاب المال، وأصبح كل شيء ملكا لهم، فالدراسات تقول، إن حصة أصحاب رؤوس الأموال من الدخل القومي الإجمالي في العالم العربي يصل إلى75 % أما الطبقة العاملة فحصتها 25 %وهي التي تشكل 90 %من المجتمع .

قبل أن نتحدث عن انتخابات وآمال وتطلعات علينا أن نبدأ بما هو حق أساس لمن يعيش داخل دولتنا، وهو توفير عدالة اجتماعية بغض النظر عن الدين والجنس والوضع الاجتماعي، وتبدأ هذه العدالة بالتأسيس لنظام اقتصادي يهدف إلى تخفيف الفجوات الاقتصادية بين أفراد المجتمع، ودعم السلع والخدمات الأساس، ومن ثم قوانين تحمي الضعفاء من تغول الأقوياء، وأخيرا فرص متكافئة لجميع أفراد المجتمع .

حمام الحليب هذا يسمى حمام كليوبترا، التي كانت نهايتها أن تجرعت السم. وهذا ما أخشاه.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   اسماعيل الشريف   جريدة الدستور