«الكسـب ليـس إرثـاً»
مثل فرنسي
هناك إجماع لدى العلماء أن ثورة الاتصالات لم تنتهِ بعد وأن المستقبل ما زال لها، وهذا يبرر استثمار فيس بوك لرقم فلكي في شركة عدد موظفيها ستة عشر وخسائرها المليار وهي واتس اب.
لدى الرئيس التنفيذي لهيئة تنظيم الاتصالات كل الحق أن يفتخر بقطاع الاتصالات الذي يشرف عليه، فآخر تقرير صادر عن البنك الدولي صنّف الأردن ضمن الدول ذات المخاطر المتدنية فيما يتعلق بالاستثمار في قطاع الاتصالات والمعلوماتية، ولكن هل سيستمر الحال على ما هو عليه؟
عندما كنا صغاراً ويطلب منا أن نتخيّل المستقبل، كان الصف يرسم أطباقاً طائرة ورجالاً صغاراً خضر اللون. لم تتوقع أذكى العقول أن تكون سمة حضارتنا هذا التطوّر المذهل في الاتصالات، فقد أعطانا فرصاً ومكتسبات رائعة، ولكنه أيضاً سلبنا حريّتنا ومعلوماتنا الشخصية وأدق أسرارنا، وكان ذلك على حساب علاقتنا البشرية الفطرية.
اطلعت على دراسة مهمة تعد كل عام، تحت عنوان المعلوماتية، يقيس هذا التقرير قدرة وكفاءة البنيّة التحتية للمعلوماتية ووسائل الاتصال الحديثة ومقدار استخدام التكنولوجيا والاستفادة منها سواء للأفراد أو الأعمال أو الحكومات، فيقسّم دول العالم على أساس رقمي.
كما في جميع الدراسات المختلفة حصلت الدول الاسكندنافية على المراتب الأولى، وجاءت دول مثل اليمن وهاييتي وأنغولا في المراتب الدنيا، واحتل الأردن المركز السابع والأربعين عالمياً سبقته دول عربية شقيقة هي: البحرين في المرتبة 27 وقطر 28 والإمارات 30 والسعودية 34، وجاء الكيان الصهيوني في الترتيب العشرين ليسبق كافة الدول العربية – وهو أمر محزن -.
وقد اعتمدت الدراسة على عشرة معايير أساسية يتفرّع منها عشرات المعايير الأخرى للوصول إلى تصنيف الدولة، فكانت معايير القوانين واستقلال القضاء للأردن ممتازة، ولكن ظهر ضعف شديد في كفاءة البرلمان، وإجراءات وعدد أيام علاج أي مشكلة.
وتحت معيار بيئة الابتكار، كانت نتائجنا متوسطة، فحققنا نجاحاً كبيراً في عدد أيام وإ جراءات تأسيس مشروع جديد، ونجاحا أقل في مستوى التعليم العالي واستخدام الحكومة للتكنولوجيا المتطوّرة.
ولكن الذي أضعف حصيلتنا في هذا المعيار هو ارتفاع الضرائب المفروضة.
وفي معيار البيئة التحتية والمحتوى الرقمي، صحيح أن الأردن رائد في المحتوى الرقمي باللغة العربية، إلاّ أن ترتيبنا العالمي كان متوسطاً بسبب ضعف حزم الانترنت والحماية على الخوازن، وحصلنا على نتائج رائعة في الأسعار ومهارات استخدام وسائل الاتصال، ومركز متوسط في مدى الاستفادة من وسائل الاتصال الحديثة سواء للأعمال أو الأفراد، ونتيجة ضعيفة في الابتكار وبراءات الاختراع، أما تأثير المعلوماتية على الاستثمار فكان متوسطاً، وجيداً في تأثيره على المجتمع والتطوّر الإنساني. إذن بشكل عام فإن ترتيبنا العربي كان ممتازاً والعالمي جيداً بشكل عام.
ولكن برأيي يجب أن لا ننظر إلى هذه الأرقام برضا تام، فلنتذكر أننا في التسعينيات وبداية الألفية كنا الروّاد في مجال وسائل الاتصال الحديثة، فالخلوي دخل الأردن بالتزامن مع قطر والإمارات في عام 1994، والانترنت استخدم عام 1996، وكانت الدستور أول صحيفة عربية تنشيء لها موقعاً على الشبكة العنكبوتية، وفي تلك الفترة كانت الانترنت في الدول العربية بأيدي حكومات باستثناء الأردن، وتم فسح المجال لمزوّد آخر مما حسّن الخدمات، وكنا أول من قدّم خدمات الرسائل القصيرة وخدمات البيانات على الموبايل والعروض المتكاملة للمستخدمين في الشرق الأوسط.
ثم بعدها بدأ هذا الحماس بالفتور، فتأخرنا في منح الرخصة للمزوّد الثالث، وأثقلت الشركات بالضرائب؛ ما انعكس على الاستثمار الجديد والتطوّر، وتأخرنا في الجيل الثالث، والآن أعتقد بأننا قد أصبحنا متخلفين خاصة مع انتشار الجيل الرابع وتطبيقاته.
أذكر في الفترة الذهبية كان هنالك طلب على العمالة الأردنية في هذا القطاع في دول الخليج نظراً لمعرفتهم بالتطبيقات الحديثة وآخر ما وصلت إليه هذه التكنولوجيا، ولكن بعد أن تأخرنا أصبح هذا الطلب في حدوده الدنيا، وبالمناسبة أعرف كفاءات أردنية ذهبت للعمل في الخليج قبل سنوات، لا لأسباب مالية، ولكن لأسباب تتعلق بالتعلم ومواكبة التطوّر، فكما قالوا أن قطاعنا سريع التطوّر «ومن لا يلحق نفسه راحت عليه».
كتب أحد خبراء الاتصالات الأردنيين على صفحته :
«تأخرنا أربعة سنوات عن منطقتنا في أطلاق الجيل الثالث لجشع الحكومة ، ثم أعطيت الرخصة لأحد المشغلين بعد الضغط عليه، وها هو التاريخ يعيد نفسه في الجيل الرابع، فالعطاء فشل ولم تتأهل الشركتان المتنافستان ، لأن الحكومة تريد أن تعظم أرباحها والشركات تريد أن لا تخسر، %65 من ما يدفعة المواطن يذهب الى الحكومة».
خلاصتي أن الأردن ضعيف بموارده، قوي بإنسانه وهو الأهم، يحتاج هذا القطاع إلى وقفة وتقييم من كافة المعنيين لبث الحماس مرّة أخرى، لأنه سيكون أحد القطاعات الداعمة لاقتصادنا الوطني.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة اسماعيل الشريف جريدة الدستور