«من لم يتحسَّب للعواقب، لم يكن له الدهر بصاحب».

] مثل عربي

أيام مراهقتنا، كانت العلاقات العاطفية تنتهى بأن يُرجع المحب لحبيبته - إن كان شهماً- رسائلها الغرامية، وبذلك يتلف أرشيف تلك العلاقة، والويل لو كان محبّها نذلاً، و»شخّص» على أصدقائه، وقرأ لهم الرسائل، فسمعة الفتاة المسكينة ستتضرر، وسيضربها أخوها، ويحبسها أبوها.

تستفزك المواقع الاجتماعية، «الفيس بوك» يسألك: «ماذا يجول في خاطرك؟»، و»تويتر» يسألك: «ماذا يحدث؟» فهما يريدان منا أن ننشر كل شيء، ولك أن تتخيل حجم المواد التي تنشر خلالهما، فالدراسات تقول إن معدّل ما ينشره مستخدم «الفيس بوك» هو تسعون مادة شهرياً، وعدد المواد التي تنشر على الفيسبوك 30 بليون مادة شهرياً، وحجم المواد التي تنشر على الشبكة العنكبوتية كل يومين مساوٍ لحجم المواد التي نشرت منذ بداية الخليقة وحتى العام 2003.

الأمر المخيف أنه لا أحد يفكر قبل أن ينشر معلومة أو صورة أو فيلماً عن نفسه أو لآخرين، مع أنها بمجرد نشرها أصبحت متاحة لملايين من البشر، وخارج السيطرة، ودخلت ضمن أرشيف الإنترنت، وهو أرشيف لا يمكن أن تمحوه، وأصبحت هذه المواد متاحة يطَّلع عليها من تحب ومن تخشى على حد سواء، ولا تعرف إلى أين تؤدي بك هذه المواد أو تؤثر على حياتك وسمعتك، ولكنها بالتأكيد ستَصِمُك وتشكّل انطباعات الناس عنك.

كلنا لدينا هفواتنا وأخطاؤنا، من صور غير مناسبة، أو مواقف مسجلة أو آراء سياسية ودينية واجتماعية غريبة، أصبحت جزءا من ماضينا بعد أن ساهمت ببناء شخصيتنا، ولكن في زمن الإنترنت مرة أخرى أصبحت هذه الأخطاء مؤرشفة وللأبد.

فالقرار لك بين أن تشارك العالم بما تنشره أو لا تنشر أي شيء، وتذكّر بأن ما تنشره لا يقف فقط عند أصدقائك، بل سيحوَّل من شخص لآخر، وسيراه أناس مختلفون عنك في قيمهم الدينية والاجتماعية والأخلاقية، فما تراه أنت على سبيل المثال طريفاً، قد يراه آخرون مهيناً.

وإذا ما أردت أن تنشر أي مادة، فكّر قليلاً قبل أن تضغط على زر الإدخال في عواقب نشر هذه المادة، هل يمكن أن تتسبب بأي نوع من الأذية لك؟ أو أن تسيء لسمعتك؟

ولك أن تتخيل من يريد معرفة تفاصيل حياتك وقيمك وتوجهاتك، من أعدائك قبل أصدقائك، من أب يريد أن يعرف إن كنت مناسبا لخطبة ابنته، أو شركة تقدمت لوظيفة لديها، أو سفارة أو مؤسسة تعليمية أو كل الأجهزة الأمنية في العالم، ومهما حاولت أن ترتدي قناعا فإن «جوجل و ذريته» و»فيس بوك» وأخواتها يسلطون على كيانك الماسح الضوئي.

بقية مقال اسماعيل الشريف

المنشور على الصفحة الاولى الجزء الثاني

يقول خبراء الحاسوب إنه من الواجب أخذ بعض الاحتياطات عند استخدام الانترنت، منها معرفة وتعلم استخدام أدوات الخصوصية، ومراجعتها كل فترة، وتصنيف الأصدقاء على مواقع التواصل، واستخدام كلمات سرية معقَّدة وتغييرها بشكل دوري، واحرص دائماً أن تكون متيقظاً وحذراً في المناسبات وخاصة الاجتماعية منها، ففي لحظة قد تلتقط صورة لك، وما هي إلا ثوانٍ ويشاهدها العالم، ودائماً ابحث عن اسمك على الشبكة، واطلب من المواقع حذف أي مادة لا تراها مناسبة.

وحذارِ من عصابات وأفراد يتصيَّدون الفرص من خلال رقم أو عنوان أو إثبات هوية من أجل النصب والاحتيال أو إلحاق الأذى، فنمرة سيارة ظهرت في صورة بالصدفة تكشف عن صاحبها الكثير، و رخصة السواقة التي نشرها صاحبها ليعلن نجاحه في امتحان القيادة تحتوى على رقمه الوطني، و قد تعلن طفلة عن مكانها فتكون فريسة سهلة للمهووسين الذين يوقعون بالأطفال، ورُبَّ خبر عن سهرة أو سفرة يترقبه اللصوص بفرح.

في الأردن ثلث السكان يستخدمون «الفيس بوك»، وأعتقد أنه قد آن الأوان لإدخال مساقات تعليمية في مناهجنا عن كيفية التعامل مع المواقع الاجتماعية والاستفادة منها وتجنب مخاطرها، وتعريف أطفالنا بالمواد المقبول نشرها، والمواد غير المقبولة وكيفية التعامل مع الأصدقاء، وكافة الإجراءات التي تحميهم من أخطار الشبكة والعناكب التي تعشعش فيها.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   اسماعيل الشريف   جريدة الدستور