«لا أعتقد أن الاتحاد السوفييتي يريد الحرب، ما يريده هو ثمار الحرب والمزيد من السلطة والديكتاتورية»
تشرشل
بتقديم الرئيس بشار الأسد طلبه للترشح لانتخابات الرئاسة السورية، أصبح معلوما من هو الرئيس القادم لسوريا.
في كل نقاشاتنا السياسية، دائما من يهاجم الأسد يقول أنه لم يطلق رصاصة واحدة على اسرائيل وبدلا من ذلك أطلقها على شعبه فقتل من قتل وشرد من شرد، والمدافعون عنه يقدمونه كآخر رمز للمقاومة العربية.
لنتحدث عن هذا بهدوء شديد
مشكلة سوريا الأساسية أنها دولة متوسطة الحجم، لا هي العراق أو مصر اللتين في مرحلة ما كانتا من الدول الإقليمية المهمة ودول جذب، ولا هي السعودية بمواردها الاقتصادية الضخمة، ولا هي صغيرة لتدور في فلك دول أقليمية أخرى. وهي دولة تحكمها أقلية من أقليات كثيرة في بلد ذي أغلبية سنية.
نستطيع القول أنه سيؤرخ لفترتين مختلفتين من حكم بشار الأسد، ما قبل الثورة وما بعدها، ما قبلها كانت استمرارا لنهج أبيه، وهي تصدير المشاكل الداخلية للخارج، وسأحاول شرح ذلك، إطلاق شعارات براقة رنانة، وتقديم سوريا كرمز للقومية العربية، وفي نفس الوقت أما تدعم أو تفتك بالحركات الإسلامية حسب مصالحها الخارجية، تهاجم الإمبريالية الأمريكية، وتدق بحماسة طبول الحرب مع إسرائيل ولكنها بنفس الوقت لا تحرك ساكنا حتى لو مرت الطائرات الإسرائيلية فوق قصر الشعب، هذا خارجيا، وداخليا دكتاتورية وغياب الحريات والديموقراطية وقمع كل الخصوم، بحيث تقدم الأولويات الخارجية مقابل الاستحقاقات الداخلية.
ويمكن اختصار سياسة الأسد ما قبل الثورة بركيزتين أساسيتين : الحرب عن بعد، المناورة والتهديد، أي أنها سياسة عض الأصابع.
أنا من الناس الذين يجدون أن سياسة الأسديين ليست سياسة مبدئية، وإنما تنم عن مصالح نظام، وأمران لا أفهمهما: كيف لدولة تقدم نفسها على أنها معقل للقومية العربية أن تشارك القوات الأمريكية في عام 1990 بضرب العراق، وكيف تدخل في مفاوضات مع إسرائيل ما تلبث أن تفشل في مراحلها الأولى؟
وبخلاف والده الذي أجاد لعبة عض الأصابع، وخلط الأوراق، فشل الابن في استمرار هذه السياسة فخرج من لبنان، وأصبحت بلاده الحديقة الخلفية لأيران، فأصبحت دول الخليج أعداء له، وتحول حزب الله من أداة في يده إلى ند له، وخسر عراق ما بعد صدام بعد أن فتح حدوده للمقاتلين.
بوضوح لن يستطيع الأسد في فترة حكمه الثانية أن يستمر في نفس سياسته، فعنده تحديات كبيرة على رأسها الأمن الغذائي الذي يتلاشى يوما بعد يوم، وبسط الأمن الداخلي، وإعاده إعمار بلاده بمليارات لا يملكها هو ولا حلفاؤه وهذا لن يتأتى إلا إذا ضحى بإيران صراحة، و»أنكل سام» ثمنه معروف وهو اتفاقية سلام مع اسرائيل، ولكن إن نجح في سياسته الخارجية فستترتب عليه استحقاقات داخلية من إصلاحات سياسية واقتصادية، وأعتقد بأن تصدير المشاكل الخارجية ستكون للداخل هذه المرة.
وبكل الأحوال فإن حكمه ما بعد الثورة سيكون أصعب كثيرا من ما قبل الثورة، فهو محكوم بالأضداد.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة اسماعيل الشريف جريدة الدستور
|