أخطر ما في تظاهرات الاحتجاج على رفع الاسعار ليس مشاركة الاحزاب ودخول النقابات على الخط واصرار الرئيس على حزمة القرارات الصعبة التي اتخذها، فهذا كله جزء من اللعبة السياسية وكل طرف يدرك مساحة الحركة المسموح بها وكيف يستميل الرأي العام ويستخدم الاعلام لطرح وجهة نظره ويطلق الشعارات ضمن سقف مقبول من كافة الاطراف. الخطير هو دخول ما يسمى بالحراك الشبابي الاردني على الخط وتعبيره بطرق مختلفة عن رأيه وموقفه واستخدامه لادوات التواصل الاجتماعي بحرية تامة واطلاق بعض فئاته لشعارات تخرق السقوف وتزيد من حدة التوتر ومن رد الفعل الأمني.
عدد كبير من شباب الحراك ليس منضويا تحت مظلة حزبية بعينها ومن الواضح ان هذا الحراك ليس محصورا في رقعة جغرافية معينة وانما يشمل كافة مدن وقرى ومخيمات الاردن. ونحن نعرف ان اكثر من نصف الاردنيين هم من الشباب واننا دولة يافعة وشعب فتي بمقاييس النمو السكاني والواقع الديمغرافي والاجتماعي. هذا هو التحدي الحقيقي اليوم بالنسبة للدولة الاردنية، وهو مؤشر على فشل الخطاب الرسمي في التعامل مع الشباب الاردني الذي يعاني غالبيته من وطأة البطالة كما تبين الارقام، وهو عاجز عن تحقيق طموحه الشرعي في ايجاد فرصة عمل والزواج وتأسيس عائلة وتوفير حياة كريمة.
غضب هؤلاء على الدولة يعني ضمنيا انها فشلت في التواصل معهم وفهم مزاجهم وتحقيق مطالبهم. يجب علينا ان نسأل لماذا هم غاضبون؟ كيف للدولة ان تتعلم من تجربة العامين الماضيين وتنظر الى الصورة من زاوية مختلفة. هؤلاء بحاجة ماسة الى من يخاطبهم ويفهم دوافعهم، بل الأهم هو الاعتراف بأن تجاهلهم يعني مزيدا من التأزيم والاحتقان. على الدولة ان تنتبه الى خطورة الاكتفاء بالتعامل الأمني مع الحراك الشبابي لأن ذلك لن يحقق المنشود بل وسيزيد من وتيرة التظاهرات والاحتجاجات ومن منسوب الغضب لدى اعداد متزايدة من الشباب. حذرنا في السابق من التراخي في التعامل مع مشكلة البطالة المزمنة والتي تصيب الشباب من الجنسين اكثر من غيرهم. وقلنا في اكثر من موقع ان جذر الانسداد السياسي اليوم يكمن في تردي الوضع الاقتصادي. لا يكفي ان نتحدث عن عجز الموازنة ورفع الدعم وتخفيض المديونية وترشيد الانفاق والأخذ بسياسة التقشف لأن هناك جانبا آخر من المعادلة يتعلق بالمواطن وامنه الاقتصادي والاجتماعي وحقه في العمل وحصته في التنمية التي يجب ان تكون عادلة جغرافيا واجتماعيا.
من الضروري ان تنتبه الحكومة الى دور الشباب المتعاظم في الحراك السياسي، وهؤلاء ليسوا منظمين في نقابات او احزاب سياسية. معظمهم غاضبون على الدولة التي خذلتهم وفشلت في فتح قناة للحوار معهم وعجزت عن جعلهم ضمن اولوياتها التنموية.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة أحمد جميل شاكر جريدة الدستور