مضى زمن على تلك الفكرة الغاطسة في اعماق الذات: هل للحب من ملاذ في حياتنا؟ من نحب ولماذا نحب؟ في زمن تقهقرت فيه الافكار والقيم وتيبست فيه العواطف لم يعد للحب من ملاذ: انه الطريد الأكبر. كيف نعترف بالحب في زمن يعج بالكراهية اذن؟

نحو خمسمئة عام مضت على كتاب «الامير» لميكيافيللي وكل ما يردده البعض هو جملته المشهورة: الغاية تبرر الوسيلة هي الطريق السهل والمخرج الآمن والتفسير المقنع لكل من امتهن السياسة منذ ان خط الرجل تلك الجملة الجدلية. عذب ميكيافيللي وطرد من منصبه كمستشار قبل كتابة مخطوطه الشهير الذي صودر وحرق من قبل الكنيسة. ميكيافيللي حرص على استقرار الدولة ولم يشرع وسائل ظالمة للحفاظ عليها. كان على الدولة ان تنحاز الى قيم مجتمعية كالعدالة وغيرها لتبرر وجودها. ما نشهده اليوم من وسائل مقيتة لتبرير الشرعية كغاية لا علاقة له بفكر ميكافيللي. طبيعة الانسان لا تتغير، لم نكن بحاجة الى ميكيافيللي لنبرر عالما سادت فيه ادوات القتل من بعد ووسائل التجسس على الافراد. ليس للقيم مكان في السياسة

ارهاصات ما بعد الربيع العربي باتت واضحة للعيان: حروب طائفية ومذهبية وفوضى اجتماعية وتقسيم سياسي. نحن نعيش زمن الحروب الدينية وويلاتها. من يملك زمام الحقيقة؟ لا أحد لكن الواقع يشي بتمزق في ثوب الأمة لا يقدر على رتقه احد. نعيش اسوأ الازمان. كيف الخروج من هذه المتوالية المقيتة؟ اين زمن النهضة والاستفاقة؟ اتذكر مئة عام من العزلة واخشى اننا ولجنا نفقا لا نهاية له. انه زمن الاصطفاف والاستقطاب والتخندق. لا اثق بأحد بعد الآن واتوقع الاسوأ لسنوات قادمة.

السفر الخروج من التيه والضياع في ازقة مدينة ما بعيدا عن كل ما يجري في عالمي. السفر بعيدا الى حياة اخرى حيث الموسيقى وامسيات يملؤها ضوء القمر. الهرب الى شوارع بلا نهاية وضجر لذيذ يتقاطع مع رتابة الحياة. الهرب الى ساحل ما، خليج ما، على ضفاف المتوسط حيث تردد الامواج اساطير هيرودتس وحيث تذوب الاحلام. هناك يبحث الانسان عن ذاته: شاعر اضاع عمره في وصف الجبال والبحر، روائي استلهم شخوصه من رذاذ البحر وانين الرياح هناك حياة اخرى لم نعشها

الحب مرة اخرى نحتاج اليه كما الهواء. كم دفعنا اثمانا لغيابه عنا؟ الحب هو الخلاص من ازمات منتصف العمر ومن كل ما يؤرق نومنا. كم نحتاج من الحب في زمن يعج بالكراهية من كل صنف؟ فلنلعن الثنائيات بكل اشكالها، ولندر ظهرنا لكل ما هو غريب عن انسانيتنا علينا ان نبحث عن الحب مرة اخرى، ليس فقط في وجداننا وانما فيما حولنا. هو السبيل الى خلاصنا. الحب الذي يقهر الكراهية ويخرج اسمى ما في داخلنا. الحب هو الجواب على اسئلتنا الوجودية


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   أحمد جميل شاكر   جريدة الدستور