الموضوعية والمهنية والحيادية كانت دائما شعارات ترفعها دور النشر والمؤسسات الاعلامية المختلفة كي تؤكد على صدقيتها امام جمهورها. وهذه الروافع الثلاث تدرس في كليات الاعلام ويتم التأكيد عليها في كل مناسبة. لكن الحقيقة غير ذلك. من الصعب ان تجد وسيلة اعلامية في عالم اليوم تلتزم حرفيا بهذه الشعارات. بل على العكس من ذلك باعتقادي ان اعلام اليوم يضحي بواحد او أكثر من هذه الروافع وبالتالي فان صدقية وسائل الاعلام كلها محل شك.
الانحياز لقضية ما امر طبيعي بين البشر وقلما نجد انسانا، ولا نقول صحفيا، يلتزم بالموضوعية والحياد تجاه قضية حساسة تعنيه مباشرة. كان العالم حتى بداية الثورة المعلوماتية يعاني من اختلال في تدفق المعلومات التي كانت باتجاه واحد، من الشمال الى الجنوب. وحتى كبرى المؤسسات الاعلامية الغربية كانت تعتمد على مراسليها الاجانب في تغطية قضايا اقليمية بعيدة كل البعد عن اوروبا واميركا، والموقف من الصراع العربي الاسرائيلي والقضية الفلسطينية يعد مثالا كلاسيكيا في الانحياز الاعلامي لطرف على حساب طرف ما.
انتهى احتكار امبراطوريات الغرب الاعلامية للمعلومات، ولا اقول الحقيقة، مع بداية التسعينيات وانطلاق الثورة المعلوماتية المتمثلة بالفضائيات الاخبارية الاقليمية ودخول الانترنت حياتنا اليومية. والمثال الكلاسيكي على نهاية الاحتكار الاعلامي تمثل في ولادة فضائية الجزيرة ومن ثم العربية بالاضافة الى اخريات. ومع اهتمام هاتين الوسيلتين المؤثرتين بعامل الحرفية في تقديم الاخبار والبرامج والتحليلات لكن من الصعب القول انهما راعتا جانبي الحيادية والموضوعية ايضا وفي كل القضايا الخلافية.
يبرز ذلك اليوم في تغطية كل من الجزيرة والعربية للشأن المصري واتباع كل من القناتين اجندة سياسية مختلفة، اذ تؤيد الجزيرة وبشراسة الاخوان المسلمين والرئيس المعزول محمد مرسي بينما من الواضح ان العربية تمثل تيارا مغايرا من خلال تغطيتها المنحازة للحكومة المدعومة من العسكر. وبذلك فان من يشاهد الجزيرة اليوم يتعاطى مع قناة تمثل قناعاته السياسية بغض النظر عن حقيقة الوضع والمنحاز الى الانقلاب العسكري يتابع قناة العربية. ولا يمكن القول ان ايا من القناتين حافظتا على شعاري الحيادية والموضوعية.
مثال آخر نراه في سوريا حيث تدعم القناتان المعارضة السورية وتخصص لهما ساعات طويلة من التغطية اعتمادا على ما يقدمه شهود عيان من افادات من على الأرض دون التأكد من صحة ما يقال او يصور. ولا نسمع الرأي الآخر الا في ما ندر. والذي يبحث عن الحقيقة، وهي قيمة ذاتية خلافية، فعليه ان يشاهد قنوات اخرى ويتابع وسائل اعلام مختلفة ليكون صورة هي اقرب الى الواقع.
على الرغم من الثورة الاعلامية وسهولة الوصول الى المعلومة اليوم من خلال الانترنت وغيرها الا ان القيم الصحفية الثلاث، وعلى رأسها الموضوعية، تبدو غائبة او مغيبة، وهذا هو واقع الاعلام العربي والاقليمي اليوم.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة أحمد جميل شاكر جريدة الدستور