تشكل عيناك جزءا صغيرا جدا من جسمك. بالفعل، يبلغ قطر كل مقلة عين 2.5 سنتم تقريبا، أي أصغر قليلا من الكرة المستخدمة في لعبة كرة الطاولة. إلا أن عينيك تؤديان دورا كبيرا في حياتك. فمعهما تختبر شكل الأشياء المحيطة بك ولونها وحركتها. وهما تنبهاك إلى الخطر أو الأمور غير المتوقعة. كما تعتمد عليهما للاستكشاف أو التعلم. وبين حواسك الخمس، أي البصر والسمع واللمس والشم والتذوق، يعتبر البصر الحاسة الأكثر استعمالا في نشاطاتك اليومية. فبمساعدة العينين، تقرأ الكتب، وتدون الملاحظات، وتوازن دفتر الشيكات، وتقود سيارتك، وتنجز عملك، وتعد وجباتك وتعتني بأحبابك. وعلى الصعيد العاطفي، يساعدك البصر في تحديد صورتك الذاتية وتفاعلاتك الشخصية مع الآخرين. وقد عبر الكاتب هنري دافيد ثورو عن ذلك بإيجاز: “نحن بقدر ما نرى”. ونظرا لاعتمادك الكبير على عينيك، لا عجب في أن ترغب بالحفاظ على صحتهما بقدر ما تستطيع.
عيناك في العمل
يقارن الناس العينين غالبا بالكاميرا. والواقع أن هناك أوجه شبه عدة بين الاثنين. فمثل الكاميرا، تسمح العين للضوء بالدخول إلى الجوف عبر فتحة صغيرة. وثمة عدسة قابلة للتعديل تركز الضوء على طبقة من الخلايا الحساسة للضوء في الجهة الخلفية لمقلة العين، تماما مثل الفيلم الحساس للضوء في الكاميرا.
لكن هذه المقارنة ليست عادلة للعينين. فالعينان أكثر تعقيدا وتطورا من الكاميرا أو أية تكنولوجيا أخرى. ونحن نتحدث عن مقلتين للعينين تتحركان وتعملان معا في تزامن مثالي. كما أن غطاء مقلة العين فائق المرونة وخفيف الوزن. وتقوم كل مقلة عين بتنظيم تلقائي للعديد من التعديلات السريعة للسطوع والتركيز والضغط الداخلي. كما أن الضوء الواصل إلى الجهة الخلفية لكل مقلة عين يحفز تفاعلات كيميائية تولد نبضات كهربائية. تفضي هذه النبضات إلى اتصال ثنائي الاتجاه بين العينين ومركز الأوامر في الدماغ. وبفضل هذا الاتصال، توفر المقلتان رؤية مستخدمة للعينين معا وتتبعا للحركة السريعة. تمنحك كل هذه المزايا إذا صورا متحركة وملونة وثلاثية الأبعاد على نحو أسرع من طرفة عين.
إليك وصف لمختلف الأجزاء المعقدة للعين وكيفية عملها معا. يؤدي كل جزء دورا أساسيا في العمل السليم للعين، وقد يكون كل جزء مسؤولا عن مشاكل معينة في العين.



محجر العين
تتثبت عيناك في محجرين، هما عبارة عن تجويفين مؤلفين من بنية واقية من العظم السميك. وتضم هذه البنية عظم الوجنة وعظم الجبين وعظم الصدغ وقصبة الأنف. وعلى عكس العظام الأخرى في جسمك، لا تضعف هذه العظام الواقية للعينين أو تترقق مع التقدم في العمر. كما توجد وسادات صغيرة من الدهن لتلطيف حركة مقلة العين ضمن المحجر.
يتولى الجفنان العلوي والسفلي حماية الجهة الأمامية لمقلة العين من خلال صد الأوساخ والضوء الساطع الذي قد يؤذي العينين. كما يتولى الجفنان ترطيب مقلة العين مع كل طرفة، وهذا ما يحدث كل بضعة ثوان. والواقع أن طرف العينين كفيل بالتخلص من الغبار وحبوب لقاح النبات وكل الأجسام الأخرى الغريبة. وتأتي المادة المبللة، التي نعرفها في شكل دموع، من غدد موجودة فوق كل عين. فحين يهيج شيء ما عينك، مثل البخار الكيميائي المتصاعد من البصل الذي تقشره، تفتح غدد الدموع أبوابها. وإذا كان ذرف الدمع خفيفا، يجري السائل عبر قنوات بالغة الصغر ضمن كل جفن وفي أنفك ليأخذ معه المواد المهيجة. لكن نظام التصريف لا يستطيع استيعاب الغدد المفتوحة بالكامل. وهذا ما يحصل حين تتدفق الدموع وتنهمر فوق وجنتيك، كما عند البكاء.
الصلبة (الغشاء الخارجي للعين)
حين تنظر إلى المرآة وتشاهد بياض عينك، فإنك تنظر إلى الصلبة- أي الغشاء السميك والأبيض والجلدي الذي يؤلف الشكل الكروي لمقلة العين ويحمي التركيبات الداخلية الدقيقة للعين. تكشف الصلبة عن فتحة في الجهة الأمامية تسمح للضوء بالعبور إلى داخل مقلة العين.
ثمة غشاء رقيق ورطب وشفاف اسمه الملتحمة يغطي الجزء الأمامي المكشوف من الصلبة. وتمتد طبقة النسيج هذه لتبطن أيضا الجهة الداخلية لمقلتي العينين. تجدر الإشارة إلى أن الملتحمة تساعد على ترطيب عينك.
القرنية
ثمة طبقة مقببة من النسيج الشفاف في الجهة الأمامية لعينك، تغطي الفتحة الموجودة في الصلبة مثل النافذة الواقية. إنها القرنية التي تنتأ من مقلة العين بمثابة انتفاخ بالغ الصغر. يتولى السطح المحدب للقرنية حني الضوء الداخل إلى عينك. والواقع أن هذه العملية هي التركيز الأولي الواسع النطاق للشيء الذي تنظر إليه، فيما تترك للعدسة مهمة ضبط تركيز الصورة وجعلها أكثر حدة.
تتألف القرنية من طبقات عدة من النسيج وهي تحمي عينك أيضا. إنها تزخر بالإلتهابات العصبية الحساسة. هكذا، بمجرد وصول مقدار ضئيل من الغبار إلى القرنية، تتلقى أنت الرسالة على الفور. وإذا لم تفلح الدموع في التخلص من المادة الغريبة، يدفعك الألم المستمر إلى تحديد موقع المادة وإزالتها.
البؤبؤ
إن البقعة الداكنة الموجودة في وسط عينك هي في الواقع فتحة تشبه نوعا ما الفتحة الداكنة للكهف. والواقع أن الضوء يدخل إلى عينك عبر هذه الفتحة المغطاة بالقرنية.
القزحية
تحيط القزحية ببؤبؤ العين، وهي الجزء الملون في عينك. يأتي لونها من خضاب اسمه الميلانين موجود في نسيج القزحية. وكلما ازدادت كمية الخضاب، أصبح لون القزحية أكثر دكنة. هكذا، تحتوي العينان البنيتان على الكثير من الخضاب، فيما تحتوي العينان الزرقاوان أو الخضراوان على مقدار أقل من الخضاب. ومع التقدم في العمر، قد يتغير لون القزحية بسبب فقدانها لبعض خضابها.
لكن القزحية تضيف شيئا أكثر من اللون إلى عينك. فهي تحتوي على حلقة من الألياف العضلية التي توسع حجم البؤبؤ أو تضيقه، وتتحكم بالتالي في مقدار الضوء المتغلغل إلى داخل مقلة العين. والأمر شبيه نوعا ما بتعديل الستائر للتحكم في مقدار ضوء الشمس الداخل عبر النافذة. هكذا، حين يكون الضوء ساطعا، تتفاعل القزحية بسرعة لتخفيض حجم البؤبؤ. وحين يكون الضوء خافتا، توسع القزحية حجم البؤبؤ.



واللافت أن عضلات القزحية تستطيع التفاعل مع أمور أخرى تتعدى الضوء. فعواطفك تؤثر في حجم البؤبؤين. بالفعل، يجعلهما الغضب أصغر حجما، فيما يستطيع السرور والإثارة جعلهما أوسع. وهناك بعض العقاقير التي تفتح البؤبؤين (توسعهما). كما يستخدم أطباء العيون عقاقير موسعة للنظر بصورة أفضل إلى داخل العينين أثناء فحصهما.
يطلق على المساحة الموجودة بين القرنية والقزحية اسم الحجرة الأمامية. تكون هذه الحجرة مليئة بسائل شفاف اسمه الرطوبة المائية، يغذي القرنية والعدسة، ويتخلص من الأوساخ، ويؤدي دورا مهما في الحفاظ على الضغط في العين.
العدسة
تقع العدسة وراء القزحية والبؤبؤ، وهي عبارة عن بنية شفافة بيضوية بحجم حبة الملبس تقريبا. ثمة عضلة دائرية تحيط بالعدسة. حين ترتخي هذه العضلة أو تنقبض، يتغير تحدب العدسة لتحسين تركيز الشيء الذي تنظر إليه. فحين يكون الشيء قريبا، تنقبض العضلة وتزداد سماكة العدسة بفعل مرونتها الخاصة. وحين يكون الشيء بعيدا، ترتخي العضلة وتتمدد العدسة لتصبح رقيقة. والواقع أن هذه التعديلات، المعروفة بالتكيفات، تسمح للعدسة بتغيير قوة تركيزها وتحسن وضوح الأشياء التي تنظر إليها. كما أن قوة التركيز المتغيرة تضبط قوة التركيز الثابتة للقرنية. لكن مع التقدم في العمر، قد تفقد العدسة عدسة/مرونتها وربما تواجه صعوبة في التركيز على الأشياء القريبة.

بصر 20/20
إنه لأمر رائع حين يقول لك طبيب العيون إن بصرك هو 20/20. لكن هذا لا يعني أن بصرك مثالي، وإنما يعني ببساطة أنك تستطيع مشاهدة الأشياء بوضوح من مسافة 20 قدما، علما أن ذوي البصر العادي يستطيعون المشاهدة بوضوح من مسافة 20 قدما. بمعنى آخر، إنه مقياس لحدة بصرك- أي مدى الدقة أو الوضوح الذي تشاهد وفقه شيئا ما من مسافة معينة.
إذا كنت مصابا بقصر البصر ولديك بصر بنسبة 50/20، يعني ذلك أن الأشياء البعيدة تكون مشوشة. وتكون في الواقع مشوشة جدا بحيث أن ما تراه من مسافة 20 قدما هو ما يستطيع أصحاب البصر السليم رؤيته عموما من مسافة 50 قدما. ويكشف بعض الأشخاص عن بصر أكثر حدة من 20/20. فبعضهم يملك بصرا بنسبة 15/20 أو حتى 10/20.
لا يوجد شيء اسمه البصر المثالي. والسبب في ذلك وجود العديد من العوامل غير حدة البصر التي تؤثر في قدرتك على الرؤية بصورة جيدة. فحتى لو استطعت مشاهدة ما يفترض بك رؤيته من مسافة 20 قدما، يرغب طبيبك في التحقق من إدراكك للعمق، ورؤيتك للألوان، ورؤيتك الجانبية وقدرتك على التركيز على الأشياء القريبة. ويتم اختبار العديد من هذه المؤشرات في الفحص الروتيني للعين.
التجويف الزجاجي
يمتد التجويف الزجاجي من الجهة الخلفية للعدسة إلى الشبكية في الجهة الخلفية لمقلة العين. ويكون هذا التجويف مليئا بمادة جيلاتينية شفافة اسمها السائل الزجاجي. والواقع أن السائل الزجاجي يعمل مع الرطوبة المائية الموجودة في الحجرة الأمامية للحفاظ على ضغط مقلة العين وشكلها.
والسائل الزجاجي شفاف لكي يسمح بمرور الضوء عبره. لكنك قد تلاحظ أحيانا وجود أشياء تشبه الحلقات أو النسالات الصغيرة تندفع أمام بصرك. يطلق على هذه الأشياء اسم الطافيات، وهي عبارة عن كتل بالغة الصغر تتكون في السائل الزجاجي. تجدر الإشارة إلى أن الظهور المفاجئ للأشياء العائمة أو زيادة عددها، ولاسيما عند تزامنه مع الأضواء الوامضة أو الرؤية الضبابية، قد يكون دليلا على مشاكل خطيرة ربما في العين.
الشبكية
ثمة طبقة رقيقة من النسيج في الجهة الداخلية للجدار الخلفي لمقلة العين تعرف بالشبكية. ويأتي اسم الشبكية من كلمة لاتينية تعني الشبكة. والواقع أن هذا الاسم ملائم جدا لأن الشبكية تتألف من ملايين الخلايا الحساسة للضوء والخلايا العصبية التي تلتقط الصور المركزة عليها بواسطة القرنية والعدسة.
تكون الخلايا الحساسة للضوء (المعروفة أحيانا بمستقبلات الضوء) في شكل أعواد أو أشكال مخروطية. وهناك 20 خلية على شكل عود مقابل خلية واحدة مخروطية الشكل. تتيح لك الخلايا العودية الرؤية في الضوء الخافت جدا أو على الجانبين عند النظر إلى الأمام (الرؤية الجانبية)، لكنها لا تستطيع تمييز الألوان. أما الخلايا المخروطية فتميز اللون بإتقان لكنها تحتاج إلى المزيد من الضوء حتى تعمل. لهذا السبب، قد تصعب رؤية الألوان في المساء أو في الضوء الخافت (من هنا القول المأثور: كل القطط رمادية في الليل). تتركز الخلايا المخروطية في وسط الشبكية وتتيح لك رؤية التفاصيل الدقيقة أثناء النظر مباشرة أمامك إلى شيء مضاء جيدا.
يؤدي الضوء الذي يصل إلى العيدان والخلايا المخروطية إلى تحفيز تفاعل كيميائي. ويفضي ذلك بدوره إلى توليد نبضات كهربائية يتم نقلها عبر العصب البصري إلى القشرة البصرية، أي جزء الرؤية في الدماغ. وتكون الصورة التي تتلقاها الشبكية مقلوبة رأسا على عقب. كما تكون معكوسة، تماما مثلما تشاهد صورة معكوسة لنفسك حين تنظر في المرآة. تنجم هذه التأثيرات عن الشكل المحدب للقرنية والعدسة على حد سواء. إلا ان الدماغ يعيد ترجمة هذه المعلومات ويسمح لك بمشاهدة الصور في اتجاهها الصحيح. كما يتوجب على الدماغ دمج الصورة من كلا العينين لتوليد صورة واضحة.
يتغذى الجزء الخارجي من الشبكية أساسا بواسطة المشيمية، وهي طبقة من الشرايين والأوردة الموجودة بين الشبكية والصلبة. أما الجزء الداخلي من الشبكية فيتلقى غذاءه من الأوعية الدموية في الشبكية.
البقعة والحفرة
تقع البقعة في وسط الشبكية، وهي تزخر بالخلايا المخروطية. وتشكل هذه البقعة الداكنة المحمرة جزء الشبكية الذي يوفر لك الرؤية المركزية، أو المباشرة، ويتيح لك مشاهدة أدق التفاصيل. إنها تستخدم للقراءة والعمل الدقيق. يوجد داخل البقعة انخفاض صغير اسمه الحفرة يحتوي فقط على خلايا مخروطية ويمنحك الرؤية الحادة.
وإذا خرجنا من البقعة، تحتوي الشبكية أساسا على خلايا عودية لا تستطيع معالجة الصور بدقة مثل الخلايا المخروطية الموجودة في البقعة، لكنها مسؤولة عن الرؤية الجانبية والليلية.
العصب البصري
يتم نقل المعلومات البصرية التي تجمعها الشبكية إلى القشرة البصرية من الدماغ بواسطة حزمة تحتوي على أكثر من مليون ليف عصبي. يطلق على كابل الاتصال بين عينيك ودماغك اسم العصب البصري. يقوم الدماغ فورا بفك رموز النبضات البصرية، وينسق الإشارات الآتية من كلا العينين لتوليد صورة ثلاثية الأبعاد.
يمكن ملاحظة دائرة صفراء على الشبكية وهي المكان الذي يتكون فيه العصب البصري في الجهة الخلفية للعين. يطلق على هذا الموقع اسم القرص البصري.
عضلات مقلة العين
تحتوي كل مقلة عين على ست عضلات متصلة بالصلبة، مما يتيح لك تحريك كلا العينين وتعقب شيء ما من دون تحريك رأسك بالضرورة. والواقع أن عضلات العين هذه، التي تعمل على نحو فردي أو مع بعضها، تتيح لك تحريك مجالك البصري إلى اليسار، أو اليمين، أو الأعلى، أو الأسفل أو على نحو مائل. وينسق دماغك حركات العينين بحيث تتحرك العينان بانسجام عند تعقب شيء ما.
مشاكل البصر الشائعة
قد يشوب الخلل أحيانا العملية المعقدة للبصر التي تنطوي على العديد من الأجزاء والتفاعلات المعقدة. والواقع أن مشاكل الرؤية الأربع الأكثر شيوعا – أي قصر البصر وبعد البصر واللابؤرية وطول البصر الشيخوخي – تنجم عادة عن مشاكل في تركيز القرنية أو العدسة أو نتيجة الشكل الشاذ للعين. ويمكن تصحيح معظم مشاكل التركيز بواسطة النظارات أو العدسات اللاصقة أو العملية الجراحية التي تعدل انحناء القرنية.
إنك تشاهد الشيء بوضوح حين يتم تركيزه بصورة جيدة. ويعني ذلك قيام القرنية والعدسة بتعديل نقطة التركيز بحيث تسقط الصورة على الشبكية على نحو محدد. لكن إذا لم تكن قوى تركيز القرنية والعدسة متناسقة مع طول العين أو شكلها، تكون الصورة التي تراها مشوشة.
قصر البصر (قصر النظر)
إذا كنت تعاني من قصر البصر، أو ما يعرف أيضا بالحسر، يمكنك مشاهدة الأشياء القريبة منك بوضوح، فيما تكون الأشياء البعيدة مشوشة. وتصاب عموما بقصر البصر إذا كانت مقلة العين ممتدة من الأمام إلى الخلف بدل أن تكون دائرية. يؤدي ذلك إلى جعل الشيء الذي تنظر إليه مركزا بحدة على الجهة الأمامية للشبكية بدل الشبكية نفسها. لكن حتى مع العين الدائرية، قد تعاني من قصر البصر إذا كانت القرنية أو العدسة منحنية جدا.
يعتبر قصر البصر مشكلة شائعة، تصيب 30 في المئة تقريبا من الأشخاص. ويلاحظ العديد من الأشخاص هذه المشكلة خلال الطفولة حين يواجهون مثلا مشكلة في فهم ما يكتبه الأستاذ على اللوح في المدرسة. وتصيب هذه المشكلة الصبيان والبنات على حد سواء وتميل إلى الانتقال في العائلات. وقد تتفاقم هذه المشكلة بسرعة خلال هذه السنوات الأولى، وتستلزم أحيانا تجديد العدسات التصحيحة أكثر من مرة كل عام. لكن البصر يميل إلى الاستقرار خلال سنوات الشباب، وقد لا تحتاج خلال العشرينات والثلاثينات إلى تغيير عدساتك.
 
مشاكل البصر الشائعة عند التمتع ببصر عادي، يتم تركيز الصورة تماما على الشبكية. وعند المعاناة من قصر البصر، تكون نقطة التركيز أمام الشبكية، مما يجعل الأشياء البعيدة تبدو مشوشة. وعند المعاناة من بعد البصر، تقع نقطة التركيز وراء الشبكية مما يجعل الأشياء القريبة تبدو مشوشة
تستطيع العدسات المقعرة، التي تكون أكثر رقة في الوسط مما هي عند الحواف، تصحيح قصر البصر. يمكنك استعمال العدسات في شكل نظارات أو عدسات لاصقة. وثمة طريقة أخرى لتصحيح هذه المشكلة. إنها الجراحة الانكسارية التي تزداد شعبية. إنها إجراء سريع يخفف انحناء القرنية بحيث يتركز الضوء الداخل إلى عينك مباشرة على الشبكية. وثمة نوعان من الجراحة الانكسارية هما خزع القرنية الكاسر للضوء وجراحة القرنية بالليزر وتعرف باللازيك LASIK
بعد البصر (طول النظر)
حين تعاني من بعد البصر، أو ما يعرف أيضا بمد البصر، قد تشاهد الأشياء البعيدة بوضوح لكنك تواجه صعوبة في التركيز على الأشياء القريبة منك.
وفي معظم الحالات، يصاب الأشخاص ببعد البصر لأن مقلة العين عندهم تكون أقصر من المعتاد من الأمام إلى الخلف. هكذا، فإن أشعة الضوء الداخلة إلى العين لا تتركز على نحو محدد لحظة وصولها إلى الشبكية، إذ تقع نقطة التركيز بدل ذلك وراء الشبكية. وقد تنجم هذه المشكلة أيضا عن قرنية أو عدسة ليس بها انحناء كافي.
ينتقل بعد البصر في العائلات ويكون موجودا عادة منذ الولادة. لكن معظم الشباب لا يعرفون أنهم مصابون بالمشكلة لأن العدسة عندهم تكون مرنة ويستطيعون التكيف لدرجة كافية لتركيز الضوء على الشبكية على نحو محدد. إلا أن العمل المفرط والدائم للعضلات قد يجعل عضلاتك تتخذ شكلا منحنيا أكثر من المعتاد مما يجعلك فريسة لأوجاع أو حروق في العينين، أو صداع، أو تعب، أو ارتجاج في الرؤية بعد إنجاز الكثير من المطالعة أو العمل الدقيق. ومع التقدم في العمر، تصبح العدسة أقل مرونة وعاجزة عن إجراء التعديل اللازم للشكل. لذا، يحتاج معظم المصابين ببعد البصر إلى عدسات تصحيحية في خريف العمر.
يتم تصحيح بعد البصر بواسطة عدسة محدبة تكون أكثر سماكة في الوسط مما هي عند الحواف. يؤدي ذلك إلى نقل نقطة التركيز إلى الأمام لتصبح على سطح الشبكية. كما تعتبر الجراحة خيارا يزداد شعبية، لكن الإجراء معقد وليس بالتالي شائعا بقدر الجراحة المعتمدة لتصحيح قصر البصر.
عمى الألوان
إن معظم الأشخاص المصابين بما يعرف بعمى الألوان لا يعانون في الواقع من عمى الألوان. فذلك يعني أنهم يشاهدون فقط بالأسود والأبيض. لكن مشكلتهم الحقيقية تكمن في صعوبة التمييز بين ظلال معينة من الألوان. فمعظم المصابين بعمى الألوان لا يستطيعون التمييز بين الأحمر والأخضر. ويعجز آخرون عن التمييز بين ظلال الأزرق والأصفر.
تكون هذه المشكلة موروثة عادة، رغم أنها قد تنجم أيضا عن أمراض العين وبعض الأدوية. فقد تبين أن 8 في المئة تقريبا من الرجال و1 في المئة من النساء يولدون وهم يواجهون مشكلة في تمييز الألوان. ولا يدرك بعض الأشخاص ببساطة وجود مشكلة لديهم في رؤية الألوان.
تنجم المشكلة عن نقص في الخضاب الملونة في الخلايا المخروطية في الشبكية. تتيح لك هذه الخضاب التمييز بين ظلال عدة للألوان مرتكزة على الألوان الثلاثة الأساسية: الأحمر والأزرق والأخضر. وإذا كنت تفتقد إلى واحد أو أكثر من الخضاب الملونة، قد تشاهد فقط لونين من الألوان الأساسية. والواقع أن الخلط بين الضوء الأحمر والضوء الأخضر في إشارات المرور هو مشكلة معروفة مرتبطة بعمى الألوان. وقد يعجز المصابون بعمى الألوان عن تمييز الفاكهة والخضار الناضجة في البستان، إذ تغير البندورة لونها مثلا من الأخضر إلى الأحمر.
يستطيع الأطباء تشخيص الخلل في رؤية الألوان وتحديد مدى وخامة هذا الخلل. والمؤسف أنه لا يوجد علاج شاف للأشكال الموروثة من عمى الألوان. لكن إذا أدى المرض إلى رؤية رديئة للألوان، قد يفلح العلاج في إبطاء الخلل أو عكسه. كما يستطيع الأطباء اقتراح طرق تتيح لك معالجة المشكلة. فثمة نظارات ملونة خصيصا تتيح لك التمييز بين الألوان المربكة. ويمكنك تعلم كيفية تمييز الألوان من خلال سطوعها وموقعها، مثل موقع الضوء الأحمر والضوء الأخضر في إشارة المرور.
اللابؤرية
في العين العادية، تكون قبة القرنية منحنية بالتساوي في كل الاتجاهات. ويسمح ذلك للكرة الدائرية التي تنظر إليها، مثلا، بالتركز تماما على الشبكية ويتم إدراكها بالتالي بمثابة كرة دائرية. لكن بعض القرنيات لا تكون منحنية بالتساوي، وإنما تكون محنية بدل ذلك في اتجاه معين أكثر من الاتجاه الآخر. هكذا، تبدو الكرة الدائرية التي تراها مثل هذه القرنية مستطيلة. وتلاحظ مبدئيا التشوه في اتجاه واحد أكثر من بقية الاتجاهات، إما أفقيا أو عموديا أو على نحو مائل. ويطلق على تشوه الصورة اسم اللابؤرية.
تكون اللابؤرية موروثة في معظم الحالات، لكنها قد تنشأ أحيانا نتيجة إصابة أو مرض. واللافت أن نصف المصابين تقريبا بقصر البصر يعانون أيضا من اللابؤرية. ولا تتغير هذه الحالة عموما خلال الحياة.
قد لا تلاحظ التشوه الناجم عن الدرجات البسيطة من اللابؤرية. أما اللابؤرية الأكثر وخامة فيمكن تصحيحها بواسطة عدسات أسطوانية تعكس الانحناء غير المتساوي للقرنية. ويمكن أن تكون العدسة المستخدمة لتصحيح قصر البصر أو بعد البصر هي نفسها المستخدمة لإبطال اللابؤرية أيضا. وثمة خيار آخر يتجلى في الجراحة لتصحيح انحناء القرنية – وهذا شبيه بالجراحة المعتمدة لتصحيح قصر البصر وبعد البصر.
 
كيف تؤثر اللابؤرية في البصر؟ تنجم اللابؤرية عن الانحناء غير المتساوي للقرنية التي تعجز عن تركيز الضوء الداخل إلى عينك بالتساوي وتولد بالتالي رؤية مشوهة ومشوشة. فكرة السلة الدائرية (إلى اليسار) تبدو مستطيلة (إلى اليمين) لأن القرنية منحنية صعودا ونزولا أكثر مما هي من جانب إلى آخر
 
طول البصر الشيخوخي
رغم أن عبارة طول البصر الشيخوخي قد لا تكون مألوفة بالنسبة إليك، لكن المشكلة مألوفة حتما. والكلمة الانكليزية presbyopia هي في الواقع كلمة يونانية تعني “بصر الشيخوخة”. فحين تبلغ عمر الأربعين أو أكثر، قد تلاحظ أنه يصعب عليك القراءة من المسافة التي اعتدت عليها. فالحروف تبدو أصغر حجما، وعليك إمساك الورقة بعيدا، على مسافة ذراع أحيانا، للتركيز على القراءة.
إذا كنت تعاني أصلا من بعد البصر، قد تصادف هذه المشكلة في مرحلة مبكرة من الحياة. وإذا كنت تعاني من قصر البصر، سوف تعاني من طول البصر الشيخوخي في فترة متأخرة من الحياة أكثر مما يفعل صاحب البصر العادي. وهذه المشكلة هي جزء طبيعي من الشيخوخة. فحين تكون شابا، تكون العدسة في عينك مرنة جدا، مما يمنحك نطاقا كبيرا من التركيز. وتصبح العدسة أكثر سماكة أثناء القراءة أو الخياطة أو إنجاز أي نوع آخر من العمل الدقيق. والواقع أن هذه الزيادة في السماكة تعدل نقطة التركيز بحيث تقع على الشبكية. لكن مع التقدم في العمر، تفقد العدسة مرونتها تدريجيا وكذلك قدرتها على تغيير شكلها. هكذا، لا يبقى بإمكانك التركيز جيدا على الأشياء القريبة منك من دون مساعدة العدسات التصحيحية.
قد يجد المصابون بقصر البصر أنهم يستطيعون إنجاز مهام مثل القراءة بمجرد نزع النظارات المخصصة للمسافات البعيدة. لكن العديد من هؤلاء سيحتاج مع الوقت إلى نظارات للعمل القريب أيضا. وثمة وسيلة تصحيح أخرى للمصابين بقصر البصر تتجلى في اعتماد قوة مختلفة للعدسة اللاصقة في كل عين. هكذا، تحظى العين المهيمنة- وهي التي تستخدمها عادة للتصويب أو التقاط الصور- بالتصحيح للرؤية من بعد، فيما تحظى العين الأخرى بالتصحيح للقراءة والرؤية عن قرب. وفي معظم الحالات، يستطيع دماغك التكيف مع العدسات التصحيحية غير المتشابهة، ولا تشاهد الأشياء مزدوجة. وقد تبين أن 70 في المئة من الأشخاص الذين يجربون هذه الطريقة يتعلمون التكيف. ويبدو أن النجاح يعتمد على مدى الحافز الذي تشعر به لتفادي استعمال النظارات.
يستمر طول البصر الشيخوخي عادة في التفاقم، مما يستلزم تغييرات دورية في وصفات النظارات أو العدسات اللاصقة. وحين تبلغ عمر الـ 65 تقريبا، تفقد العدسة في عينك كل مرونتها ولا تغير شكلها البتة. انطلاقا من هنا، لن تحتاج على الأرجح إلى تغيير الوصفات.
البصر الثاني
يتفاجأ بعض الراشدين المتقدمين في السن بما يعرف بالبصر الثاني ويسرون به. فبعد استعمال نظارات القراءة أو النظارات ثنائية البؤرة لسنوات عدة، تكتشف فجأة أن بصرك تحسن، ولا تحتاج بعد الآن إلى تصحيح القراءة.
يحدث ذلك حين تصبح عدسة العين أكثر سماكة مع التقدم في العمر. يؤدي ذلك إلى بعض من قصر البصر مما يصحح طول البصر الشيخوخي. لكن الأخبار ليست كلها جيدة لسوء الحظ. فتغير البصر هو دليل عادة على بدء إعتام عدسة العين (المياه البيضاء)، الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى تغشية كل بصرك. لذا، من الجيد إخبار طبيبك إذا لاحظت نشوء البصر الثاني لديك.
كيف يتغير البصر مع العمر
مثلما ذكرت الفقرة السابقة التي تناولت طول البصر الشيخوخي، يتغير بصرك عموما مع التقدم في العمر. وإذا لم يفعل، تكون استثناء نادرا. والمؤسف أن معظم التغييرات تكون مصدر إزعاج عموما، لكنك تتعلم كيفية التكيف مع الظروف. إليك بعض التغييرات الشائعة التي تحصل في وظيفة العين:
●  تفقد الشبكية في كثير من الأحيان بعضا من حساسيتها للضوء، بحيث تضيف ضوءا أكثر سطوعا إلى مكان عملك أو قرب كرسي المطالعة.
●  تبدأ عدساتك بالتغشية على نحو متواتر، مما يفضي إلى تضاؤل في حدة بصرك. هكذا، تبدو الألوان باهتة ويتكون الوهج حين يسطع الضوء مباشرة عليك. قد يدفعك ذلك إلى تفادي القيادة في الليل.
●  تصبح عدساتك عموما أقل مرونة وتفقد قدرتها على تعديل تركيزها. قد يجبرك ذلك على تغيير نظارات القراءة باستمرار أو الاحتفاظ بعدسة مكبرة بالقرب منك لقراءة الحروف الصغيرة.
●  يتقلص السائل الزجاجي أحيانا، مما يفضي إلى ظهور طافيات مزعجة في مجال الرؤية. تتعلم ألا تسمح لهذه الطافيات بإزعاجك، رغم أنه يجدر بك الاتصال بطبيب العيون إذا لاحظت زيادة مفاجئة في عددها.
●  قد تفقد الملتحمة وغدد الدموع قدرتها على تبليل عينك كما ينبغي. لذا، قد تساعد قطرات الدموع الاصطناعية المرطبة على تصحيح هذه المشكلة.
ثمة طريقة للتكيف مع هذه التغيرات التي تحدث في بصرك ألا وهي استعمال العدسات التصحيحية. وحين تبلغ الأربعين، تجد نفسك في معظم الأحيان وأنت تستعمل نوعا من العدسات التصحيحية، إما في شكل نظارات أو عدسات لاصقة.
خطر متزايد من الأمراض والاضطرابات
رغم أنه باستطاعتك التكيف مع العديد من التغيرات في بصرك نتيجة التقدم في العمر، يمكن أن تفضي بعض التغييرات إلى مشاكل خطيرة في العين، بما في ذلك الفقدان الجزئي للبصر أو العمى. وهناك بعض مشاكل البصر التي لا يمكن تفاديها لأنها جزء طبيعي من الشيخوخة، فيما يمكن الحؤول دون مشاكل أخرى. لكنك تستطيع إبطاء أو وقف المشاكل التي لا يمكن تفاديها من خلال الكشف والعلاج المبكرين.
والواقع أن طول البصر الشيخوخي، المذكور آنفا، هو مشكلة البصر الأكثر شيوعا الناجمة عن التقدم في العمر. أما المشاكل الأخرى فتشمل:
المياه الزرقاء (الغلوكوما): المياه الزرقاء (الغلوكوما) هي حالة تنجم عن ضغط مرتفع على نحو غير اعتيادي في مقلة العين. وإذا بقي ذلك من دون تشخيص، يمكن لضغط العين المرتفع على نحو غير اعتيادي أن يسلبك الرؤية – بدءا من الرؤية الجانبية وصولا في النهاية إلى العمى. لكن إذا جرى تشخيص المرض باكرا، يمكن الحؤول دون الضرر الناجم عنه أو إبطاؤه في معظم الحالات باستعمال قطرات العينين. فقطرات العينين تساعد على تخفيف الضغط من خلال تخفيض إنتاج السائل ضمن العين أو زيادة تصريف السائل من العين.
إعتام عدسة العين (المياه البيضاء): إنه تغشية العدسة الصافية عموما. نعاني كلنا تقريبا من درجة معينة من إعتام عدسة العين (المياه البيضاء) مع تقدمنا في العمر. ويعاني نصف الأميركيين الذين تراوح أعمارهم بين 65 و75 عاما من إعتام قوي في عدسة العين يؤدي إلى خفض نوعية بصرهم على نحو ملحوظ. تستطيع الجراحة القضاء بنجاح على إعتام عدسة العين (المياه البيضاء) واستبدال العدسة بأخرى اصطناعية.
الضمور البقعي: تنجم هذه الحالة عن تلف البقعة، أي جزء الشبكية المسؤول عن الرؤية المركزية. ويعتبر الضمور البقعي السبب الرئيسي للعمى عند الأميركيين الذين تجاوزوا 65 عاما. وتشير بعض الدلائل إلى إمكانية اتخاذك لإجراءات لتأخير نشوء الضمور البقعي. إلا أنه لا يوجد للأسف أي علاج لأحد أشكال هذا المرض المعروف بالضمور البقعي الجاف، فيما يعتبر الحل الجراحي ممكنا لبعض حالات الضمور البقعي الرطب. فالعلاج قد يحافظ على ما تبقى من بصرك المركزي.
مشاكل الجفن: قد تنشأ مشاكل الجفن، مثل الشتر الداخلي والشتر الخارجي وتمدد الجلد وارتخاء الجفن العلوي، نتيجة التغيرات في نسيج الجفن أو ضعف عضلات الجفن. وقد تتفاقم أي واحدة من هذه الحالات لدرجة تهيج العين أو تعيق البصر. وقد تصبح الجراحة ضرورية لتصحيح المشكلة.
جفاف العينين: تعتبر الدموع مرطبا أساسيا لعينيك. لكن إنتاج الدموع ونوعية الدمع يتضاءلان لسوء الحظ مع التقدم في العمر مما يفضي إلى عوارض مثل الوخز والحرق والحكاك في العينين. قد يقترح عليك الطبيب عددا من الخطوات التي تستطيع اتخاذها للتخفيف من هذه العوارض.
 
 

المراجع

موقع طبيب

التصانيف

طبيب  العلوم التطبيقية  الطبي