في العام 1802، كتب لودفيغ فان بيتهوفن رسالة إلى أخوه يعبر لهم فيها عن مخاوفه العميقة حول تراجع سمعه: “أحيا تقريبا لوحدي، لا أختلط في المجتمع إلا عند الضرورة القصوى، أنا مكره على العيش كما في المنفى. كلما اقتربت من الناس انتابني شعور بالقلق الكبير خوفا من أن يلاحظوا حالتي”.
والحقيقة أنك إذا كنت تعاني من مشاكل في السمع فأنت قد تشعر، كما بيتهوفن، بانزعاج شديد عندما تكون بين الناس. تؤدي عدم القدرة على السمع بوضوح إلى حالة من الإحباط، كأن يختصر المرء كلامه محاولا فهم ما يقوله له الآخرون. تراه يفضل الانسحاب من المحادثات بدل المشاركة فيها؛ فيضع نفسه في عزلة إجتماعية. وترى الناس يظنونه خجولا أو متعجرفا أو منعزلا فيتوقفون عن محاولة التواصل معه.
مرة أخرى، لست وحدك من يعاني من نقص في السمع. أثبتت الإحصاءات أن 10% على الأقل من الأميريكيين يعانون من درجة معينة من نقص السمع تتراوح بين طفيف وشديد. أغلبهم من المسنين لأن السمع يتراجع مع التقدم بالعمر. يعاني حوالى 30% من الأميريكيين الذين تتجاوز أعمارهم 65 سنة وحوالى 50% من الذين يبلغون الـ 75 وما فوق من إعاقة في السمع. إلا أن نقص السمع قد يظهر في أعمار أخرى نتيجة لعوامل مختلفة منها التعرض للضجيج والرضح والعوامل الوراثية والمرض.
يرفض العديد من الناس الاعتراف بمشكلتهم. حتى أنه من بين كل 4 أشخاص يحتاجون إلى أدوات السمع، شخص واحد فقط يلجأ إلى استخدامها. فيما يختار الباقون الاستمرار في العيش من دونها. لكن دراسة أجريت من قبل المجلس الوطني للمتقدمين في السن أظهرت أن الأشخاص الذين يعانون من نقص في السمع ولا يستخدمون أدوات السمع هم أكثر عرضة لمشاعر الحزن والقلق والعزلة الاجتماعية وعدم الأمان. كما أشارت هذه الدراسة إلى أن الذين يستخدمون أدوات السمع هم على علاقة أفضل مع عائلاتهم.
لقد قطعت أدوات السمع شوطا طويلا منذ عهد أبواق الأذن البارزة التي استخدمت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. في الواقع، تم تحقيق تطورات مذهلة في تكنولوجيا السمع في العقود القليلة الماضية. وباتت تتوفر أمامنا العديد من الخيارات لمعالجة نقص السمع. لكن العديد منها محجوب عن أنظار المتفرج. المفتاح يكمن في إيجاد العلاج المناسب لك.
الأذنان
هما جهازا سمع مذهلين عجز الإبداع البشري حتى الآن عن اختراع ما يضاهيهما. تشترك الأذنان مع الدماغ عند الأشخاص الذين يسمعون بدرجة طبيعية في التحويل الفوري لموجات الصوت من العالم الخارجي إلى أصوات معهودة كصوت الحبيب أو زقزقة العصافير أو دوي الرعد أو الهمهمة المنخفضة لسيارة مقتربة.
إنها معجزة حسية تلعب فيها العديد من العوامل أدوارا مختلفة. فلنلق نظرة على البنيات الرئيسة التي تشكل الأذن. إن الشريحة الغضروفية الموجودة على كل جهة من الرأس والتي نعتبرها الأذن ليست في الحقيقة إلا جزءا خارجيا لها. فالأذن في الواقع تقسم إلى ثلاثة أجزاء معقدة ومترابطة: الأذن الخارجية والأذن الوسطى والأذن الداخلية.
الأذن الخارجية
إنها الجزء الناتئ الذي يمكنك أن تراه على طرفي رأسك. وقوامها أولا ثنيات من الجلد والغضروف مسماة بالصيوان، وثانيا مجرى السمع الظاهر. يجمع الشكل المجوف للصيوان الموجات الصوتية من المحيط الخارجي ويوجهها نحو مجرى السمع.
أما مجرى السمع فهو عبارة عن رواق لا يتعدى طوله بوصة واحدة يؤدي إلى طبلة الأذن (غشاء الطبلة). ويحتوي الجلد الذي يغلف مجرى السمع على شعيرات صغيرة جدا وغدد تنتج الشمع أو الصملاخ. ومهمة الشعيرات والشمع تنظيف مجرى السمع وحمايته من المياه ومن البكتيريا ومنع الأجسام الغريبة كالأوساخ من المرور عبره والوصول إلى طبلة الأذن. وطبلة الأذن هي غشاء رقيق ومتين يغلف مدخل الأذن الوسطى.



الأذن الوسطى
هي عبارة عن تجويف مملوء بالهواء يقع بين طبلة الأذن والأذن الداخلية في قسم من الجمجمة يعرف بعظم الصخرة ويحتوي على ثلاثة عظام صغيرة تعرف بالعظيمات. للعظيمات أسماء علمية لكن كل واحدة منها تعرف أيضا بإسم يصف شكلها: المطرقة والسندان والركاب. معا، تشكل العظيمات جسرا بين الطبلة ومدخل الأذن الداخلية (النافذة البيضاوية). تتحرك كل عظمة ذهابا وإيابا كمخل صغير لزيادة مستوى الصوت الذي يصل إلى الأذن الداخلية. هنالك عضلتان صغيرتين في الأذن الوسطى ملتصقتان بالمطرقة والركاب.
تتصل الأذن الوسطى بخلفية الأنف والجزء الأعلى من الحلق المعروف بالجوف الأنفي البلعومي من خلال قناة ضيقة تدعى قناة استاخيوس. تبقى قناة استاخيوس عادة مقفلة إلا عند البلع والتثاؤب حيث تفتح بسرعة شديدة كي تعادل ضغط الهواء داخل الأذن الوسطى بضغط الهواء في الخارج. قد تسمع عندها أحيانا فرقعة. يسمح ضغط الهواء المتساوي على جهتي الطبلة للغشاء بأن يتحرك بسهولة.
تميل قناة استاخيوس قليلا عند الراشدين نحو الأنف والحنجرة. أما عند الأطفال فتكون أضيق ومتجهة أفقيا لأن هيكل جمجمتهم لم يكتمل نهائيا بعد لذلك تسهل عملية قناة استاخيوس لديه وتكون السائل وتراكمه خلف الطبلة. وقد يلتهب هذا السائل أحيانا مسببا إلتهاب الأذن الوسطى.



الأذن الداخلية
تحتوي الأذن الداخلية على الجزء الأكثر تعقيدا في عملية السمع: إنه الحلزون القوقعي الشكل والمملوء بالسائل والذي يعنى بترجمة موجات الصوت الواردة إلى إشارات كهربائية يمكن للدماغ فهمها.
لو تمكنا من حلحلة الحلزون لحصلنا على أنبوب يتجاوز طوله البوصة الواحدة بقليل؛ لكنه يلتف طبيعيا حوالى الثلاث مرات. وهو لا يتجاوز حجم البازلاء. يقسم الأنبوب إلى ثلاث حجرات تلتف بشكل لولبي حول مركز عظمي: الحجرة العليا (الزاحف الدهليزي) والحجرة الوسطى (الزاحف الأوسط) والحجرة السفلى (الزاحف الطبلي). تحتوي القناة الحلزونية على جهاز كورتي مسؤول عن السمع والذي يحاط بدوره بالغشاء القاعدي. وترتكز إلى هذا الغشاء مجموعة من أربعة صفوف من الخلايا الهدبية البالغة الحساسية تعلوها كتل من الشعيرات الدقيقة (الأهداب والأهداب المجسمة). تستقر أطول هذه الأهداب داخل غشاء آخر يسمى الغشاء السقفي.
تحتوي الأذن الداخلية أيضا على بنية تسمى التيه الدهليزي مهمتها مساعدة إحساسك بالتوازن. وهي تتألف من ثلاثة أنابيب هلالية ممتلئة كما الحلزون بسائل وتحتوي على خلايا هدبية حساسة على حركته. تقتفي هذه الخلايا كل حركة من حركات الجسم حتى يعي المرء أين موقع رأسه من الأرض.



خصائص الصوت
قلنا أن الأذن هي عبارة عن مجموعة من البنيات التي تسمح بالتقاط الصوت وإدراكه. لكن ما هو الصوت تحديدا؟ ينبعث الصوت عند تذبذب شيء في المادة. نحن نسمع الأشياء التي تهتز في الهواء مثل ذبذبة صندوق صوت الإنسان (الحنجرة) والتي تشكل أنماط الكلام أو مكابس وأحزمة محركات السيارات. إلا أن الأصوات تتنقل أيضا عبرالسوائل، كالماء، مثل الأصداء السمعية المعكوسة في قعر المحيط والتي يلتقطها جهاز سونار على متن السفينة. كما يتنقل الصوت أيضا عبر المواد الصلبة كالعظام والفولاذ. فالنقرة التي تسمع عند ارتطام الرأس بشيء صلب تأتي نتيجة الاهتزازات التي تنتقل عبر الجمجمة وليس في الهواء.
عندما يهتز الشيء في المادة، يحرك الجزئيات من حوله تماما كما تتسبب الحجرة الملقاة في البركة بتموج المياه في جميع الاتجاهات. فالاهتزازات ترسل موجة ضغط. عندما تسافر هذه الأخيرة عبر الهواء إلى الأذن الخارجية وتصل إلى الطبلة، تطلق سلسلة تفاعلات في الأذن الوسطى والحلزون والعصب السمعي والدماغ الذي يسمح لك بسماع الصوت.
كما تعلم، تختلف الأصوات عن بعضها بعضا كثيرا. مثل اختلاف صوت شاحنة الديزل المنخفض عن صوت الدراجة النارية المرتفع جدا. كلا من الصوتين ينبعث من محرك احتراق. لكنهما بعيدان أشد البعد عن بعضهما بحيث لا يمكن الالتباس بينهما. واختلاف الأصوات يأتي بشكل أساسي من مزايا ثلاث: التردد والشدة والجرس. يمكن قياس أول ميزتين؛ أما الثالثة فهي شخصية.
التردد
يدل تردد الصوت، المعروف أيضا بالطبقة، على عدد تموجات موجة الضغط المضطربة في مهلة زمنية محددة. وهو ما يقاس عادةَ بالدورات في الثانية الواحدة أو الهرتز. كلما زادت التموجات زاد معها التردد. تتراوح ترددات الأصوات المسموعة من قبل البشر بين حوالى 20 هرتز- طبقة منخفضة – و20000 هرتز- طبقة مرتفعة جدا. تغطي الأصوات العادية في كلام البشر مساحة واسعة تتراوح بين 250 هرتز (طبقة منخفضة كصوت اللين (أووو) ooo) إلى حوالى 4000 هرتز (طبقة مرتفعة كالصوت الساكن (سسس) sss).
الشدة
تقاس شدة الصوت بمدى علوه (أو ارتفاعه). ترتبط هذه الميزة بدرجة الاضطراب داخل موجة الضغط. وهي تقاس بالديسيبل (db). مثلا، يمكن قياس الهمسة على درجة 30 ديسيبل مستوى ضغط الصوت (db SPL) في حين تسجل الطلقة النارية ما يتراوح بين 140 و170 ديسيبل. تعتبر الأصوات التي هي بشدة الطلقة النارية عالية بالنسبة إلى الأذن البشرية التي لا تستطيع تحملها لأنها قد تلحق بها ضررا دائما ما لم تتم حمايتها بسدادات الأذن أو غيرها من الآلات الحامية للسمع (كدرع وقاية الأذن). ويعتبر ارتفاع الصوت وصفا شخصيا لشدته. فيمكن للأصوات مثلا أن تكون لطيفة جدا أو مرتفعة ارتفاعا مريحا أو مرتفعة كثيرا أو مرتفعة إلى حد مؤلم.
مستوى ضغط الصوت ومستوى السمع
الديسيبل هي وحدة قياس مستخدمة لتحديد شدة الصوت. وتشير وحدة مستوى ضغط الصوت إلى قياس قوة الموجة الصوتية في الجو أو كمية الضغط التي تمارسها على الطبلة. ويعتبر المستوى المرجعي الذي يبلغ 0 ديسيبل مستوى ضغط الصوت (dbSPL) أضعف صوت يمكن سماعه بأفضل أذن بشرية. وتتراوح شدة الكلام العادي حول الـ 60 ديسيبل مستوى ضغط الصوت (db SPL).
يعتبر الديسيبل أيضا وحدة قياس تحدد مستوى السمع بالمقارنة إلى معدل سمع مجموعة كبيرة من الشباب الذين يتمتعون بسمع طبيعي. ويعبر عن هذا القياس بمستوى السمع بالدسيبل (db HL). ويعتبر سمع الشخص الذي يتراوح حده (والحد هو أخفت نقطة يمكن فيها إدراك الصوت) بين 0 و25 مستوى السمع بالديسيبل db HL سمعا طبيعيا أو شبه طبيعي. أما من يعاني من صعوبة في فهم المحادثات فهو بالكاد يسمع حتى حد 40 مستوى السمع بالديسيبل db HL وليس أقل ويصنف على أنه يعاني من نقص سمع متوسط. أما الشخص الذي يسمع فقط الأصوات العالية نسبيا والقريبة فحد سمعه يقارب الـ 70 db HL ويصنف على أنه يعاني من نقص سمع شديد.
يمثل قياس الشدة المعبر عنه بالديسيبل db قياس مستوى ضغط السمع. في حين يمثل مستوى السمع بالديسيبل db HL قياس مستوى السمع.
الجرس
يعتبر الجرس الوجه الأقل موضوعية للصوت. فهو الميزة التي تسمح لنا أن نميز بين الأصوات من نفس التردد والشدة كالنوتة الموسيقية الواحدة التي تلعبها آلتين موسيقيتين مختلفتين أو حرف اللين (المتحرك) أو الحرف الساكن الواحد الملفوظ من قبل صوتين مختلفين.
دروب الصوت
ينشأ الصوت عن الموجات الضاغطة التي تتحرك عبر المادة؛ أما السمع فهو إدراك هذا الصوت. عندما تسمع صوتا تدرك على الفور خصائص تردده وشدته وجرسه. قد تكون رحلة موجة الصوت عبر الأذن إلى الدماغ فورية ولكنها معقدة فعلا.
تبدأ مع التقاط الأذن الخارجية (الصيوان) للموجات الصوتية وتوجيهها نحو الطبلة. يتمتع العديد من الثدييات كالكلاب والقطط بالقدرة على تحريك الأذن الخارجية بحيث تواجه مصدر الصوت. لكن البشر لا يتمتعون بهذه القدرة. بدلا عن ذلك، تصل الموجات الصوتية إلى الصيوان من زوايا مختلفة في أوقات وحدات مختلفة قليلا محدثة أنماط مختلفة قليلا وفق مصدر الصوت بالنسبة إلى الرأس. مما يسمح للدماغ بأن يميز مصدر الصوت الذي يناديك.


السمع بالأذنين معا
يعتبر استخدام الأذنين معا مهما جدا في المساعدة على تحديد مصدر الصوت. يصل الصوت المنبعث من اليسار إلى الأذن اليسرى أولا ويسجل فيها أقوى من اليمنى. عندما يقارن الدماغ المعلومات من الأذنين يمكنه تمييز ما إذا كان مصدر الصوت قد صدر من اليسار أو اليمين.
بالإضافة إلى ذلك، يسمح لك الدماغ بتمييز الأصوات التي تريد سماعها وتخفيف الخلفية الصوتية بمساعدة المعلومات السمعية الواصلة من الأذنين. ويمكن إعطاء مثال على هذه العملية في القدرة على متابعة المحادثة مع شخص آخر في حفلة صاخبة جدا.
داخل الأذن الوسطى
بعد أن تسافر الموجة الصوتية عبر مجرى السمع الظاهر، ترتطم بغشاء الطبلة المتين مسببة اهتزاز الطبلة. وهذه الاهتزازات تؤدي بدورها إلى اهتزاز العظيمات التي تربط المساحة بين الطبلة والنافذة البيضاوية – مدخل الأذن الداخلية. تتحرك العظميات معا كنظام مخل صغير. ولأن مساحة الطبلة أكبر من النافذة البيضاوية، توصل الاهتزازات بقوة أكبر إلى الأذن الداخلية. يزيد تضخيم الصوت من الطاقة الضرورية للاهتزازات لتنتقل عبر سائل الأذن الداخلية. يمارس السائل مقاومة أكبر من الهواء مما يتطلب قوة أكبر للمرور عبره.
إذا كان الصوت عاليا جدا، تنقبض عضلات الأذن الوسطى لتخفف مفاعيل الصوت وتحاول حماية الأذن الداخلية. هذا ما يسمى بالمنعكس السمعي. إلا أن الصوت المفاجئ كطلقة نارية قريبة مثلا يمكن أن يتسبب بعطل فوري ودائم للأذن. هذا لأن العصب السمعي يجب أن يتجاوب أولا مع الصوت قبل أن تنقبض العضلات وهو ما يتسبب بتأخير قصير.
داخل الأذن الداخلية
ينقل اهتزاز الركاب على النافذة البيضاوية نمط موجة الصوت إلى الأذن الداخلية والسائل في دهاليز الحلزون العليا والمنخفضة. تحرك الموجة بدورها الخلايا الهدبية على الغشاء القاعدي. يؤثر كل تردد للموجة الصوتية على قسم معين من الغشاء القاعدي مما يستثير تجاوبا عند الخلايا الهدبية في هذا الموقع بالتحديد. إذا كان للصوت تردد عال جدا، يرن الغشاء القاعدي مع الخلايا قرب قاعدة الحلزون. أما إذا كان للموجة الصوتية تردد منخفض، فيرن الغشاء القاعدي قرب طرف الحلزون.
تهتز خلايا الغشاء السقفي الهدبية التي حركتها الموجة الصوتية فيهتز معها الغشاء السقفي. تلوي هذه الحركة الأهداب على الخلايا محدثة تفاعلا كيميائيا داخل الخلايا الهدبية نفسها يبعث شحنات كهربائية داخل العصب السمعي. كلما علا الصوت أو أصبح أكثر شدة زاد إصدار الشحنات.
الانتقال إلى الدماغ
تنتقل الشحنات الكهربائية عبر العصب السمعي إلى مراكز مختلفة لمعالجة المعلومات داخل الدماغ. تنتهي هذه الجولة في ما يسمى بالقشرة السمعية الموجودة في الفصين الصدغيين على كل جهة من الدماغ. والقشرة السمعية تسمى عادة المادة السنجابية بسبب شكلها الرمادي والمتجعد. وهي طبقة رقيقة من النسيج تتم فيها معظم عمليات تصنيف المعلومات ومعالجتها وتنظيمها. أما نهاية عملية السمع فتكون مع مرور الشحنات عبر الدارتين التوأم إلى القشرتين السمعيتين.
تمر شحنات الإشارات العصبية على عدد من المحطات في طريقها إلى القشرة السمعية. تبدأ هذه المحطات بتحليل الأصوات لمعرفة مصدرها. هنالك أيضا الكثير من التواصل بين الفصين الصدغيين الأيمن والأيسر لناحية مقارنة الإشارات. يجدر بالذكر هنا أن المقارنات والتحليلات التي تجرى في المحطات وداخل القشرة السمعية تؤدي دورا بارزا في القضاء على خلفية الضجيج والسماح للمرء بالتركيز على الأصوات التي يريد سماعها.
لم يتوصل العلماء بعد إلى معرفة كيفية ترجمة الدماغ لرسائل الحلزون إلى أصوات متباينة. تتبع الشحنات الكهربائية في الترددات المنخفضة نمط الموجات الصوتية نفسه. أما في الترددات العالية فيأتي النمط مختلفا.
ترتبط مسألة الكلام واللغة (أي كيف يعطي الدماغ معنى للصوت) ارتباطا وثيقا بالقدرة على السماع. نحن نعلم أن عملية تخزين الأصوات المعينة وتصنيفها في ذاكرة الأشخاص يبدأ في عمر مبكر. نعطي مثلا على ذلك كيف يمكن للأطفال بعمر الثلاثة أشهر أن يميزوا أصوات أهلهم عن غيرها من الأصوات. يعتبر حقل دراسة الكلام واللغة مجال أبحاث متنام قد يؤمن في المستقبل المزيد من الاكتشافات في عملية السمع.
أنواع نقص السمع
يأمل العلماء من خلال دراسة كيفية حدوث السمع مساعدة الأشخاص الذين فقدوا سمعهم. وأمام هذا النظام السمعي المعقد، لا عجب أن تؤثر تغييرات صغيرة أو أضرار بسيطة داخل الأذن على السمع كله. حدد العلماء ثلاثة أنواع من نقص السمع: التوصيلي، الاستقبالي (حسي عصبي)، المختلط.
نقص السمع التوصيلي
يوصل كل من مجرى السمع الظاهر والأذن الوسطى الموجات الصوتية إلى المستقبلات الحسية في الأذن الداخلية. فإذا سد هذا الممر يتعذر على الصوت الوصول بشكل مناسب وتكون النتيجة إدراكا منخفضا للصوت. قد يحدث هذا مثلا عند الإفراط في إفراز الصملاخ في مجرى السمع الظاهر. في الحالات الطبيعية، ينظف مجرى السمع نفسه بنفسه؛ لكن وفي بعض الحالات الخاصة تحدث تراكمات تحتاج إلى مساعدة مختص. هنالك مشاكل أخرى تسبب نقص السمع التوصيلي منها دخول أجسام غريبة إلى الأذن أو التهاب الأذن الوسطى أو إصابة الرأس أو نمو العظم بشكل غير طبيعي في منطقة الأذن.
نقص السمع الاستقبالي (حسي عصبي)
يؤدي أحيانا تضرر بنيات الأذن الداخلية، كالخلايا الهدبية في الحلزون أو الألياف العصبية التي تمتد من الحلزون إلى الدماغ، إلى حدوث نقص سمع اسقبالي (حسي سمعي). وغالبا ما ترتبط هذه الأضرار بالاهتراءات التي تأتي مع التقدم في السن والتي تعرف بوقر الشيخوخة. كما ترتبط أيضا بكثرة التعرض للضجيج.
يحدث الضرر في البدء عادة عند قاعدة الحلزون حيث يتجاوب الغشاء القاعدي مع الترددات العالية. لهذا يجد الأشخاص الذين يعانون من نقص سمع استقبالي صعوبة بالتقاط الأصوات ذات الترددات العالية كبعض الحروف الساكنة. فتجدهم مثلا غير قادرين على التمييز بين تيل (tell) وسيل (sell) أو ميس (miss) وذيث (this). هنالك أيضا أسباب أخرى لتضرر الأذن الداخلية منها الحرارة المرتفعة أو الأمراض المزمنة أو بعض الأدوية القوية أو إصابات الرأس أو المشاكل الوراثية. كما يمكن للعصب السمعي أن يتضرر نتيجة حالات نمو غير طبيعية (أورام).
اضطرابات المعالجة السمعية المركزية
تؤدي بعض الأمراض أو الإصابات أو المشاكل الوراثية إلى إصابة مراكز معالجة السمع في الدماغ التي قد ينتج عنها مشاكل في السمع. من هذه المشاكل فهم الأصوات كتحديد مصادرها والتمييز بينها ومعرفة أنماط التردد وسماع عدة مصادر في آن معا.
نقص السمع المختلط
قد يعاني بعض الناس من مزيج من نوعي نقص السمع. كأن تلتهب مثلا أذن شخص يعاني من نقص سمع مرتبط بتقدمه في السن. يمكن عندها اللجوء إلى الدواء للقضاء على الضرر الناتج عن الالتهاب وليس الضرر الاستقبالي.
التعويض عن نقص السمع
يحمل ضعف السمع عادة وطأة النكات والمسرحيات الهزلية. فهو مرتبط في أذهان الناس بعدم الانتباه أو قلة الذكاء أو التقدم في السن. كل ذلك يحمل البعض على الاستسلام لفكرة عدم حاجتهم إلى سماع كل ما يحدث في الخارج. لكن عدم القدرة على السماع بوضوح يشكل في أبسط الأحيان عائقا وخطرا في أسوئها. لا تقتصر أهمية السمع فقط على مساعدتك على فهم الآخرين بل تتعداها إلى تحديد مكانك وما يدور من حولك. فالسمع يبقيك مرتبطا إجتماعيا وجسديا بالعالم كله.
يتجنب العديد من الناس الاعتراف بمشكلتهم مخافة أن يصنفوا مع الأشخاص الذين يسيئون باستمرار فهم المحادثات ويتواصلون مع الآخرين بالصراخ. فتراهم يحاولون إخفاء نقص سمعهم والتعويض عنه بما يأتي:
●  الطلب من الآخرين إعادة الكلام.
●  إلقاء اللوم على الآخرين بغمغمة الكلام والتكلم بصوت منخفض.
●  اختصار النشاطات الاجتماعية أو الانسحاب الكامل منها.
●  رفع صوت التلفاز أو الراديو.
●  الابتسام وهز الرأس دون الفهم.
إذا كنت من الذين يقومون باستمرار بمثل هذه التصرفات فقد يكون عليك مراجعة اختصاصي تقويم سمع لفحص سمعك. يشبه إنكار ضعف السمع خوفا من معرفة الآخرين به رفض النظر إلى القميص بهدف تحويل الانتباه عن بقعة عليه. إلا أن الناس سرعان ما يلاحظون الجهود المبذولة لإخفاء المشكلة. وحده الاعتراف بمشكلة السمع قادر على وضعك على الطريق السليم نحو مشاركة أكثر فعالية في الحياة ستقربك أكثر من الناس.
مؤشرات فقدان السمع
يستحسن مراقبة مؤشرات فقدان السمع في بداياتها الأولى بهدف المحافظة القصوى على ما تبقى منه. تساعد الأسئلة اللاحقة التي وضعتها “المؤسسة الوطنية للصمم وغيره من اضطرابات النطق” على تحديد الحاجة إلى مراجعة الطبيب أو اختصاصي تقويم السمع من أجل فحص السمع. وهي ليست إلا أسئلة عامة.
●   هل عندك مشكلة في السماع على الهاتف؟
●   هل تجد صعوبة في متابعة الحديث عند توجهك إلى شخصين أو أكثر في الوقت الواحد؟
●   هل يقول من حولك أنك ترفع صوت التلفاز؟
●   هل تبذل مجهودا كبيرا لفهم المحادثات؟
●   هل عندك مشكلة في السماع في الأماكن الصاخبة؟
●   هل تلاحظ أنك تطلب من الناس تكرار كلامهم؟
●   هل تجد أن أكثر الناس يتحدثون بصوت منخفض وغير واضح؟
●   هل تسيء فهم كلام الآخرين وترد على كلامهم بأجوبة غير ملائمة؟
●   هل عندك مشكلة في فهم كلام الأطفال والنساء؟
●   هل تشعر بانزعاج الآخرين لعدم فهمك لكلامهم؟
إذا أجبت بنعم على ثلاثة أسئلة أو أكثر فقد يكون عليك إجراء فحص السمع. كما يمكنك أن تطلب من شخص مقرب إليك أن يراجع هذه الأسئلة معك فهو قد يلاحظ مؤشرات فقدان السمع عندك أكثر منك ويشجعك على الحصول على مساعدة.
مصطلحات ومفرادات وردت في الموضوع
•    نقص السمع التوصيلي (conductive hearing loss) – أو الصمم الانتقالي: نقص في السمع ينجم عن انسداد في مجرى السمع الظاهر أو ثقب في الطبلة أو تغيير في حركة العظميات داخل الأذن الوسطى.
•    نقص السمع الاستقبالي أو الحسي-العصبي (sensorineural hearing loss) – نقص سمع ناجم عن ضرر في الأذن الداخلية أو العصب السمعي أو الدماغ.
•    نقص السمع المختلط (mixed hearing loss) – مزيج من نقص السمع الاستقبالي (الأذن الداخلية) والتوصيلي (الأذن الوسطى والخارجية).
•    ديسيبل (decibel db) – وحدة قياس تعرف قوة الصوت بالاعتماد على مستوى ضغط الصوت (dbSPL). ويمكن لمقياس ديسيبل مقارنة مستوى السمع لشخص ما بالمستوى الطبيعي للسمع (db HL).
•    التيه الدهليزي (vestibular labyrinth) – جزء من الأذن الداخلية يتكون من ثلاث قنوات هلالية مليئة بالسائل تساعد في التوازن.
•    الأذن الوسطى (middle ear) – تجويف يملأه الهواء بين طبلة الأذن والأذن الداخلية ويحتوي على ثلاث عظام صغيرة تدعى العظيمات.
•    حلزون (cochlea) – جزء من الأذن الداخلية يعمل على تحويل الموجات الصوتية الواردة إلى إشارات كهربائية يفهمها الدماغ.
•    الصملاخ (cerumen- earwax) – مادة شمعية تحمي مجرى السمع الظاهر.
•    عظيمة (ossicle) – أي من العظيمات الثلاث (المطرقة والسندان والركاب) الموجودة في الأذن الوسطى والتي تهتز بذبذبة معينة لنقل الموجات الصوتية إلى الأذن الداخلية.
•    غشاء الطبلة eardrum (tympanic membrane) – غشاء رقيق ومتين يغطي مدخل الأذن الوسطى.
•    قناة هلالية (semicircular canal) – أي من الأقنية الثلاث التي تشكل التيه الدهليزي في الأذن الداخلية. تحتوي هذه القنوات على سائل وخلايا هدبية تتحسس حركة السائل لتحافظ على توازن الجسم.
•    قناة استاخيوس (Eustachian tube) – قناة ضيقة تصل الأذن الوسطى بالأنف والبلعوم.
•    مجرى السمع الظاهر (ear canal) – مجرى بطول إنش واحد يؤدي إلى طبلة الأذن. يفرز مجرى السمع الظاهر الصملاغ ويحتوي على شعيرات تمنع البكتيريا والأجسام الغريبة من بلوغ الطبلة.
•    إختصاصي أذن (otologist) – طبيب اختصاصي في الأذن والأنف والحنجرة تابع اختصاصا إضافيا معمقا يركز على مشاكل الأذن.
•    اختصاصي أنف أذن حنجرة (otolaryngologist) – طبيب مختص في تشخيص أمراض الأذن والجيوب الأنفية والحلق والبلعوم والحنجرة وأجزاء أخرى في الرأس والعنق.
•    اختصاصي تقويم السمع (audiologist) – اختصاصي مدرب لاكتشاف نقص السمع وقياسه وتركيب السماعات والمساعدة في إعادة تأهيل السمع.












المراجع

موقع طبيب

التصانيف

طبيب  العلوم التطبيقية  الطبي