تبين الإحصائيات الحديثة ازدياداً في حدوث سرطان الثدي عند المرأة الحامل. فبعد أن كان احتمال الإصابة في الماضي بمعدل 1 إلى 2 حالة لكل 10,000 إمرأة حامل، أصبح الآن احتمال الإصابة حوالي 10 حالات لكل 10.000 إمرأة حامل. نعتقد أن تأخر سن الإنجاب عند السيدات إلى الثلاثينات والأربعينات في العصر الحديث هو من الأسباب الرئيسية لهذه الزيادة.
مع أن نسبة إحتمال الإصابة بسرطان الثدي عند المرأة الحامل قليلة، فهي عادة دراماتيكية وتحمل معها خطورة تتمثل بعدم تشخيص سرطان الثدي عند الحوامل في مراحل مبكرة وأن معظم الحالات يتم تشخيصها في مراحل متقدمة من المرض. أما أسباب هذا التأخير فغالبا ما يكون سببه عدم الإكتراث للعوارض من قبل المرأة الحامل أو حتى من طبيبها النسائي فيعتبرون التورم أو الإنتفاخ جزءاً من تغييرات الثدي التي تصطحب الحمل بسسب ارتفاع مستوى الهرمونات النسائية. وحتى ان الطبيب لا يشك بالسرطان بسبب صغر سن السيدة الحامل وأنه لدى الفحص السريري يمكن له أن يحس بتورمات وتكتلات تبدو وكأنها تجمع غدد حليبية.
الأعراض غير العادية خلال الحمل
عندما تحس السيدة الحامل بأن هناك تغييرات غير طبيعية في أحد ثدييها أو على الجلد مثل تورم واختلاف بين الثديين، كتلة بارزة، الم زائد، سماكة زائدة للحلمة، تغير مختلف بشكل حلمة، انكماش الحلمة وانسحابها إلى الداخل، تورم تحت الإبط، احمرار، سخونة بالجلد والثدي، عند أي من هذه العلامات على السيدة استشارة طبيبها الذي قد يعطيها مضاداً حيوياً لإلتهابات قد يشك أنها عادية، ولكن إذا لم تستجب على العلاج خلال أسبوع أو عشرة أيام فيجب مراجعة الطبيب للمتابعة وإجراء صورة صوتية وإذا تم اكتشاف أية كتل مرضية فيتوجب إجراء خزعة للتأكد من عدم وجود خلاية سرطانية. نشير هنا إلى انه لا يتم إجراء صورة ماموغرافي شعاعية وذلك لعدم تعريض الجنين إلى الأشعة المتناثرة الضارة.
التشخيص والفحوصات خلال الحمل
أما إذا تم تشخيص ورم سرطاني، وخلافا لما يعتقد البعض، فهذا لا يعني اوتوماتيكيا انه يجب إجراء عملية اجهاض. لكن يجب إجراء الفحوصات اللازمة للتأكد من مرحلة السرطان وتحديد خطورته وكيفية علاجه والاثار المحتملة للسرطان أو للعلاج على صحة المرأة الحامل وحياتها أو على تطور الجنين وحياته. بالإضافة إلى فحوصات الدم، يسمح بإجراء صورة صوتية للثدي وصورة صوتية للبطن وللكبد ويسمح أيضاً بإجراء صورة مغناطيسية لعدم إحتوائها على الإشعاع. لا يسمح بإجراء صورة نووية للعظم ولا صورة سكانر للصدر وللبطن والحوض للحرص على عدم تعريض الجنين للأشعة والتسبب بأي إعاقة لنموه أو تشوهات خلقية أو مشاكل مستقبلية.
علاج سرطان الثدي خلال الحمل
بعد التشخيص وتحديد الخصائص ومرحلة المرض، يبدأ التخطيط للعلاج حسب مرحلة السرطان وحسب فترة الحمل وعمر الجنين.
1-  العلاج الجراحي: يمكن إجراء عملية جراحية في أي وقت من الحمل وعادة ما تكون هذه الجراحة إستئصال كامل للثدي وعقد تحت الإبط. لا يمكن إعتماد الإستئصال الجزئي خلال الحمل لأنه يتطلب علاجاً بالأشعة لا يمكن إعطائه خلال الحمل لأنه قد يتسبب بالتشوه الخلقي للجنين. كذلك لا يمكن إعتماد خزعة العقدة الأولى والعقدة الحارسة لأنه أولاً غير مسموح باستعمال دواء التلوين الأزرق خلال الحمل وثانيا، مع أنها تبث فقط كمية قليلة ومحدودة جداً من الشعاع النووي، لا نعرف مدى تأثير المادة النووية التي نستعملها للتفتيش على العقدة الحارسة على الجنين وتكوينه وتطوره.
2-  العلاج الشعاعي: يجب تأجيله إلى ما بعد الولادة.
3-  العلاج الكيميائي: يمكن إعطاء بعض الأدوية حسب مرحلة الحمل ودرجة نمو الجنين. لا يمكن إعطاء العلاج الكيميائي خلال الثلث الأول من الحمل حيث تكون اعضاء الجنين ما زالت في طور التكوين، ولكن يمكن إعطاء العلاج الكيميائي خلال الثلث الثاني والثلث الثالث من الحمل. لا يمكن استعمال جميع الأدوية لأن بعضها قد يؤثر على الجنين. هناك خبرة طويلة لدينا باستعمال أدوية أساسية مثل دوكسوروبيسين (أدريامايسين) وسيكلوفوسفامايد خلال الثلثين الثاني والثالث من الحمل بدون اشتراكات على الجنين وممكن استعمالهم وغالباً ما يعطون نتائج جيدة، يمكن أيضاً استعمال ال 5-أف-يو-. أما أدوية تاكسان فلا ننصح باستعمالها.
4-  العلاج المهدف: لا ننصح باستعمال الدواء المهدف تراستوزوماب (هيرسبتين) لأنه يتسبب بمشاكل على نمو وعمل البلاسنتا وتطور الجنين بالاخص خلال الثلث الثاني والثلث الثالث من الحمل وذلك بعكس الأدوية الكيميائية. ويبدو أن البلاسنتا لا تتأثر بتراستوزوماب خلال الثلث الأول للحمل مما يعني انه إذا حصل الحمل عند سيدة تأخذ تراستوزوماب عن طريق الخطأ ربما قد يكفي توقيف تراستوزوماب فقط.
5-  العلاج الهرموني: فلا يسمح إعطاء علاج التاموكسيفين المضاد للهرمونات النسائية خلال الحمل ولا خلال الرضاعة، ولا يسمح باستعمال موقفات الاروماتاز.
يشكل موضوع سرطان الثدي خلال الحمل حدثا دراماتيكيا كبيراً في حياة أية إمراة وزوجها وعائلتها، كما هو أيضاً متشعباً ومؤثراً على طبيبها نظراً لعمر المريضة ومستقبلها ومستقبل الجنين وتاثير علاج السرطان عليهما.
نستطيع أن نقول بأنه لا يتم إعتماد الاجهاض إعتماداً تلقائياً بمجرد تشخيص سرطان الثدي عند المراة الحامل. يتم تقويم الخطورة على صحة المراة وتاثير العلاج على الجنين لاتخاذ القرارات المناسبة للعلاج. فإذا كان الورم في المراحل الأولى فيمكن إجراء الجراحة وإستئصال الثدي والورم. أما إذا كان الورم متقدماً وكانت المرأة في الثلث الأول من الحمل فهذا يستدعي إجهاضاً لأسباب طبية، أما إذا كانت المراة الحامل في الثلث الثاني أو الثالث فيمكن إعطاء العلاج الكيميائي لتصغير حجم الورم ومن ثم إجراء الجراحة التي عادة نخطط لاجرائها بعد إنهاء العلاج الكيميائي وبعد الولادة التي يكون قد اقترب موعدها أو أصبح الجنين بأمان. أما العلاج بالأشعة فيعطى بعد الولادة.
الحمل بعد علاج سرطان الثدي
بعد أن تشفى المرأة التي يصيبها سرطان الثدي في مقتبل عمرها، من الطبيعي أن تسأل طبيبها عن الحمل وإنجاب الأولاد لاحقاً. كنا في السابق نشدد على الانتظار على الأقل خمسة سنوات بعد التشخيص. تسمح هذه الفترة للطبيب بمتابعة المريضة لمدة 5 سنوات تؤكد له انخفاض احتمال عودة المرض وتكون قد أكملت العلاج المضاد للهرمونات. كثر هن السيدات اللواتي حبلن أما من دون انتباه أو أردن الحمل فتمت متابعتهن في دراسات حديثة عديدة بينت أنه إذا حصل الحمل بعد 3 سنوات فقط من العلاج الاساسي فلا تأثيرا سلبيا لا على صحة المرأة ولا على صحة ومستقبل الجنين. لذلك أصبح الأطباء حديثاً يسمحون بالحمل بعد 3 سنوات ولكن تبقى هناك حالات يقيِّم الطبيب فيها الخطورة على صحة المرأة فينصحها بالإجهاض إذا حصل وكان هناك خطورة على حياتها، أو بالتريث وتأخير الحمل طبعاً حسب عمرها وخصائص المرض الذي كان عندها. وهنا ننصح بالاستشارة الجماعية بين الأطباء في مجلس الأورام لدراسة حالة المريضة بشكل واف وللاستفادة من خبرات الأطباء الزملاء وتحديد أفضل نصيحة وطريقة للعلاج.

المراجع

موقع طبيب

التصانيف

طبيب  العلوم التطبيقية  الطبي