ربما تساهم مواقع التواصل الاجتماعي وشبكة الإنترنت الآن في خلق ثقافة ما، عند جيل من الصبايا والشباب لديه حساسية من غبار الكتب! وأيا كانت مصادر القراءة شحيحة على هذه المواقع، ومُوجّهة الى حد ما أحيانا، إلا أنها شكّلت حلاً سحريا ننقذ به أبناءنا من الجهل، وندفع بهم الى القراءة بأدوات جديدة يستسيغونها! فانعدام الثقافة العامة، أوالإلمام بالتاريخ، والأحداث الكبرى، فضيحة مدوّية يشكو منها جيل جديد (أقصد به الجيل الوسيط الذي ولد بعد جيل كان نهما للقراءة، وقبل جيل اتجه للمعرفة الإلكترونية).
وربما ساهمت المناهج والاستراتيجية التعليمية في مفاقمة هذه المشكلة. وليست هناك مشكلة على الإطلاق حين تُظهر الاستطلاعات أن مواطنا أردنيا عاديا لم يسمع في حياته باسم روائيّ أردنيّ! لكن هناك مشكلة كبيرة جدا، وخللا فادحا وفاضحا أيضا، حين يكون هذا المواطن طالبا جامعيا متخصصا بالأدب العربيّ! قد تبدو الفكرة أشبعت بحثا، في الصحف والتلفزيون والأحاديث العامة، لكنها أكثر خطرا الآن حين تمس جهل الإنسان بتخصصه الحرفيّ. وهي تقودنا إلى مشكلة أكبر وأعم، هي عدم أخذ المبدع الأردنيّ، على محمل الجد، من قبل مؤسسات الدولة وأذرعها التنفيذيّة، أيا كان مجال إبداعه من الشعر إلى الغناء إلى نحت الأرابيسك! فالذي لا تأخذه الدولة بعين الاعتبار الحكوميّ والرسميّ، يبقى ضمن الثقافة المجتمعيّة مهمشا وبعيدا عن التأثير، ويفتقر لأي رافعة أو حامل يدفعه إلى الواجهة؛ لأن الناس قد تعودوا على الرهبة تجاه أي موظف حكوميّ درجة أولى أكثر بكثير، وبما لا يقارن، أمام روائيّ أو شاعر! بل إن الناس قد يصابون بالضحك إن ادّعى أحدنا أن مهنته كاتب، أو رسام، أو عازف عود، ويُصرّ البعض على الإلحاح: طيب شو شغلتك الأصلية؟ .... من السبب؟ أجزم أنها وزارة التربية بلا أي تردد، فالذين يعرفون أحمد شوقي، وطه حسين، وإبراهيم طوقان، والمازني والرافعي يعرفونهم من مناهج تربيتنا غالبا، ولم يقرأوا لهم، لكن تربيتنا ذاتها لم تأخذ الكتاب الأردنيين يوما بالعين الجليلة، على قاعدة أن كل ما هو، ومن هو، محلي هو رديء الصنع والإنتاج! ما الذي يضر وزارة التربية لو أنها تخصص كتيبا ملحقا بمنهاج اللغة العربية يضم خمسة مبدعين أردنيين يتغير كل عام أو عامين؟ فمن المعيب والمخجل، أن يتخرج طالب من تخصص الأدب العربيّ في جامعاتنا الأردنية وهو لم يقرأ في حياته رواية أو ديوان شعر لكاتب محليّ! وزارة التربية مدعوة للخروج من نمطيتها، وللتنسيق مع رابطة الكتاب، ومع المثقفين الأردنيين ، في صياغة مناهجها، فالمطلع على أسماء مؤلفي المناهج في كتب أبنائنا يرى أسماء لم يسمع بها من قبل في أي حقل ثقافيّ أو معرفي (مع استثناءات قليلة بالطبع) وليست تلك مشكلتنا الوحيدة، فانعدام الثقافة العامة، أيضا مشكلة كبرى، وخطيرة، تتهدد الأجيال القادمة بالأميّة المطبقة! إذ ماذا نرجو من جيل من الأبناء لا يعرف آباؤهم من هو المتنبي، ويقول عدد كبير منهم إن محمود درويش هو وزير الثقافة الحالي! لا أنسى أبدا هذه الفضيحة التي جاءت في استطلاع صحافي وشمل مائة شاب وشابة جامعيين، واشتمل على عشرة أسئلة كان أولها من هو أول رئيس وزراء أردنيّ والذي لم يعرفه 74 %، والسؤال الثاني كان عن أزمة الخبز التي حدثت في التسعينيات في معان والتي تبين أن 82 ٪ منهم لم يسمعوا بها! أما اسم وزير الثقافة فلم يعرفه 84 % في حين قال أحدهم إنه الشاعر محمود درويش، فيما لم يعرف 92 % الشاعر أبو الطيب المتنبي، في حين عرف 79 ٪ من هؤلاء الشباب أن المطربة التي تغني "بوس الواوا" هي هيفاء وهبي!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  إبراهيم جابر إبراهيم   جريدة الغد