ففي الشرق العربي، وفي بلادنا، كان "الأب" و"الكاهن"، وما يزال، يحضر أعياد المسلمين، ويهنئ في أعراسهم، ويتقبل العزاء معهم على أطراف مقابرهم.
والشيخ يحضر بكامل تقواه أفراح المسيحيين، ويأكل طعامهم، ويلاعب صغارهم، ويصلي ويسلم بمحبة وخشوع على نبيّهم في الأعالي.
ودائما ما كان "سيدنا عيسى" أقرب الأنبياء وأحبهم الى المسلمين، بعد نبيهم، حتى لكأنه عمّ المسلمين!
ودائما ما كان أصدقاء مسيحيون كثيرون لنا، في جلساتنا (ولا أريد أن أقول جلساتنا المشتركة أو التي تجمعنا بهم فهذا يقال عن طرفين، ونحن لسنا كذلك ابدا .. ولم نكن في يوم)، يحوقلون ويتعوذون ويبسملون، .. ويُصّلون على النبي.
وقد رأيت مسلمين كثيرين يجاهرون بالإفطار في رمضان، لكنني لم أر مرة مسيحياً واحداً يفعل ذلك، كي لا يخدش حرمة المؤمنين!
وكثيرا أيضاً ما رأيت أصدقاء مسيحيين يقطعون اجتماعاتهم لصوت الآذان، او يوقفون قراءاتهم ريثما ينتهي المؤذن، أو يتبرعون لمن يجمع لبناء مسجد.
في شرقنا لم نعش يوماً حالة السؤال عن الدين، وحدث معي كثيراً ان عاتبني أصدقاء مسيحيون لم أهنئهم بعيدهم، فأضحك .. لأنني ببساطة لم اكن اعرف انهم مسيحيون.
كنا دائماً، ومانزال، أسرة حميمةً ولا تتوقف أبداً أمام خانة الديانة في شهادة الميلاد، ولم تكن حكم "الإمام عليّ" لنا وحدنا، ولم تكن مريم العذراء لهم وحدهم، بل كانت السيدة المبجلة في كل بيوت المسلمين.
لهذا يبدو مخزياً، ومثيراً للألم، أن يروج البعض الآن لهذه التفرقة، واختلاق الخلاف، على خلفية بعض الاحداث المروعة، كجريمة الاسكندرية، التي يستحيل ان يكون خلفها مؤمن مسلم مدّ كفّيه يوماً للوضوء.
فعدو الحياة هو عدو المسلم والمسيحي وعدو الله وعدو الإيمان، والذي يفجّر عرساً أو يستهدف مصلّين على باب كنيسة، لا دين له، ولو كان ابن امام مسجد أو لو أتمّ القرآن كل ليلة .. وهو حتماً ليس كذلك، بل أجزم أنه لم يتفكّر مرة بآية من القرآن، هذا إن كان مسلماً بالطبع!
الحياة هدية الله الثمينة للمؤمنين، وليس من حق أحد أن يسرقها من بيت أحد، ومعتقداتنا وأفكارنا ليست مفخخات نخبئها في دواخلنا لنفجرها في أفراح الآخرين.
دائماً سنظل في شرقنا عرباً مؤمنين، لا فرق بين مسيحي ومسلم، إلّا بما بينه وبين ربه، لكننا نشرب القهوة معاً، ونصلّي من اجل اوطاننا المحتلة معاً، ونكتب شعرا، وننتظر شتاء واحداً..
وفي هذا الزمان المدجج بالاحتلالات، يصير العدوّ واضحاً، وواحداً، .. أما نحن ، المسيحيين والمسلمين، فكلانا معاً، في مغارة واحدة (وجهان يبكيان)!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة إبراهيم جابر إبراهيم جريدة الغد