الكل يحب مشاهدة المسلسل، لكن الكل أيضا يتساءل: لماذا ليس هو بطل المسلسل؟!
الكل يخطط أن يكون نجما، وأن يجلب بقصصه انتباه الجالسين في بيت العزاء طوال الوقت، أو الراقصين في حفلة العرس طوال السهرة!
فتجد بعض الناس يصرّون أن يكونوا أبطال الحكاية لا أن يكونوا مستمعين لها، وليتها رغبة حقيقية بالابداع، لكنه فقط جشع النجومية، حين ترفض غرائزنا فكرة التعلم، إذ يستهوينا بنهم فائق هوس "الأستذة"!
فإذا كنت شاعرا، فالكل جالسون ينصتون بانتباه، لكنهم كلهم سارحون في فكرة واحدة: لماذا انت الذي على المنصة وليس هو!!
ويسارع أكثر من نصفهم بعد انتهائك مباشرة من القراءة، ليعرضوا عليك قصائدهم، ويستطردون مع ابتسامة خبيثة، بأنك قرأت قبل قليل قصيدتين تشبهان تماما واحدة كتبوها... وأخرى كانوا يفكرون فيها للتو!
فإذا كنت مطربا أصروا على تجريب حنجرتهم لديك، وإن كنت تشكيليا فهم اصحاب مدرسة حديثة في اللون، وإن كنت محرر صفحة طبية فهم أطباء، وإن كنت سائقا فهم خبراء في توفير الوقود، وإن فتحت "دكانا" استكثروا على أنفسهم أن يشتروا من عندك، وسارعوا الى فتح "دكان" بجانبك يبيع بأسعار أرخص!
وإن قصصت على أحدهم حادثة صارت معك، بادرك فورا بالقول: "لا لا ، هاي مو قصة ابدا .. اسمع شو صار معي أنا"!
هذا إن لم يقلل من شأن حادثتك صارخا: "لا !! هذا ولا إشي ... هاي مسخرة بالنسبة لقصتي"! ويروح يسمعك أي حادثة تؤكد أنه ليس مستعدا أبدا لأن يكون مجرد متفرج أو مستمع، ولا يليق بكرامته الشخصية، أو بسمعة العائلة أن لا يكون طرفا في أي حادثة على مستوى عمله أو منطقة سكنه أو على مستوى البلد!
فهو دائما لديه مصادره "العليا" التي زودته بخفايا رفع سعر البنزين، ويعرف الأسماء الرباعية الكاملة لكل أعضاء الحكومة المقبلة، ويؤكد أن نتيجة المباراة "مباعة"، ويتقمص هيئة الخبير وهو يؤكد: اللحم الذي أكلناه في العرس "مستحيل يكون بلدي"!
الكل خبراء، ومطلعون، وعارفون، وفقهاء، فالحلاق مستعد لتزويدك بمسودات أصلية للخطة التي يعتمدها منتخب الأرجنتين في كأس العالم، والشوفير يصف لك علاجا شافيا خلال 3 أيام لسرطان الدم، ويقسم أن "صدام حسين" لم يعدم، وأنه ركب معه قبل اسبوع الى صويلح وحلفه:"يا اخوي يا ابو محمد ما تجيب سيره"!
.....
الحكايه تتلخص بأن أحدا غير مستعد لأن يكون متلقيا، والجميع مهووسون بإنتاج الحكاية، وذلك استنادا لموروث عظيم مفاده "ليش هو ابن ابو اسحق احسن مني؟!" .
واستنادا لذات الموروث لا يعترف أحد بتفوق أحد، وكثيرون يغمضون أعينهم ويغلقون آذانهم رغم أنهم يرون جيدا، ويسمعون بشكل أفضل، لكنهم فيما يخص الآخرين يعطلون كل حواس الاستقبال ويشغلون فقط رغبتهم النهمة والشرهة جدا لإنتاج الحكايا والقصص ووووو...
وهي مفارقة موجعة، ومحزنة، أن يجري التعامل مع الحياة الحديثة بموروث قبلي يستحضر ممارسات الجدات بخصوص الغيرة والحسد، ويستنهض المخزون المتخلف والغزير من الردح والتشهير ولكن بربطة عنق زاهية وعطر فرنسي!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة إبراهيم جابر إبراهيم جريدة الغد