نادوا على الشهداء ليفطروا معنا..
لنجلس معاً، في شرفة الوطن المضاءة بدمائهم، ونفطر معاً زيتاً وزعترا، وشاياً، و"خبّيزة" مغمّسةً بالعسل!
فليحلقوا وجوههم، وليخلعوا "المرقّط" و"الأسلحة"، وليغلقوا قبورهم خلفهم، ويأتوا لمشاركتنا هذا العيد الشهيّ!
انفخوا في جذع قريةٍ صامدة، لينفروا خفافاً كالشموس، وليحضروا حفلنا في 15 أيار!
ليجلسوا في الصفوف الأولى، في المقاعد المخصصة لكبار الضيوف، ليمدوا أرجلهم المنهكة من رطوبة التراب الغريب، وضيق ذات الكفن!
وليشاركونا، حين يبدأ الحفل، الوقوف دقيقة ضحكٍ من أجلهم!!
آن للشهداء أن يضحكوا..
هذا وطنٌ أقمناه على شرفهم، فنادوا على الشهداء ليفتتحوا أرضنا.
وآن لهم أن يشاركوننا مواسم القمح، والتفاوض، والباميا ..
آن لهم أن يتفيأوا شجرة البرتقال المستقلّة!!
...
وأن يأخذوا حصّتهم من النوم في أرضنا التي صارت أرضنا!!
هل سيتذمرون بخجلٍ من ضيق البيت؟ وهل سيكتمون خيبتهم لأن الوطن لن يتسع حتى لأن يصفّ شهداؤه سياراتهم!!
أميركا، خيّاط الأوطان الحرّيف هي التي حددت المساحة؛ مرّة 13 % من أرضنا، ومرّة قالت 15 % على مرحلتين، وربما تكتشف لاحقاً أن 8 % وجبة كافية ومشبعة لشعبٍ قليل الأفراد مثلنا!
ونحن نحتاج على الأقل لثلاث غرف ومنافعها، غرفة للشعب، وغرفة للحكومة (لا يجوز شرعاً ولا بروتوكولياً أن ينام الشعب والحكومة في غرفةٍ واحدة!)، .. وغرفة كبيرة للضيوف، بخاصةً وأننا صرنا فرجةً لوفود العالم كله، ومادة خصبة لرسائل الماجستير!
لا أعرف إذا كانت الـ 8 % عرضاً مغرياً .. لكننا ربما نضطر عند النوم أن نمدّ أرجلنا في البحر المتوسط!
ولو قلنا 10 % فإننا سنضطر لوضع الثلاجة في غرفة الضيوف!
.. ولو قبلنا بـ 12 % فسنلغي المطبخ، والمطبخ ضروري للتفاوض!!
13 % سيكون البيت بلا حوش!
18 % سيكون البلد بلا مقبرة .. ونحن لا نقبل أن ينام شهداؤنا خارج البيت!!
***
ليجلس الشهداء الآن، وبعد الحفل نتدبر الأمر، ينامون ليلة أو ليلتين في الجامع أو عند الجيران!
وغداً، منذ الصباح، ليخلعوا أكفانهم ويلبسوا الأزرق، والبرتقالي، والليلكي .. فربما يحظون بفرصة لقاء "ميتشل"!
ميتشل الآن في المنطقة لطهو السلام الخالي من الدهون ومن الكرامة ومن الكوليسترول!!
.. ترى ما هي انطباعات عطوفته عنها، أعني "المنطقة"؟!
هل تصلح لنمو السلام؟ للاستصلاح الزراعي؟ لإحاطتها بسلكٍ شائكٍ وإعلانها محميةً طبيعية (أو حتى محميةً مدهشة)؟!
ما هو رأيه في أراضي المنطقة .. كم يقدّر ثمن متر الأرض فيها: بثلاثين .. أربعين .. مائة شهيد؟!
ما هي آراؤه الشخصية في مناخ المنطقة؟ تضاريسها؟ أسماء عائلاتها؟ وزيّها الوطني!
هل يأخذنا السيد ميتشل على محمل الجد!
وهل يستطيع فعلاً أن يحيل مجموعة خرائط على الورق إلى قرى ومواطنين وأكلات شعبية وسيادة وطنية!
وهل سيأتي يومٌ على الناس يعلقون فيه صور "ميتشل" في أعناقهم، ويكتب السوّاقون على ظهور سياراتهم: "أنا أحب ميتشل"!!
***
هذا الموجود!
قولوا للشهداء هذا الموجود، ونحن لم ندّخر من جهدنا شيئاً، وليخرجوا ليتفقدوا أرضهم: ليعدّوا سنابلها، هل نقصت قمحةً واحدة؟!
سنسهر معهم الليلة نحدثهم عن جنازاتهم، وعن إنجازاتنا، ونتبادل قليلاً من النميمة على شهداء لم يحضروا الحفل بسبب حجوزات الطيران!
نسهر معهم، نقول لهم: إن الحياة كانت فرصةً ثمينةً ضيّعوها!
وأنهم إن أخطأوا فخير الخطائين التوابون، ولديهم الآن عرضٌ مُغرٍ للانخراط في سلك الشرطة!!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة إبراهيم جابر إبراهيم جريدة الغد