لستُ بصدد أن أشتري أو أبيع، لكنه من الوسائل المهمة جدا للتعرف على المكان الذي تقيم فيه، وتفهم ما الذي يحدث لناسه، أن تقرأ دائماً الصحف الإعلانية المتخصصة، فقراءة إعلانين متجاورين الأول يعرض (حذاء نمرة 42 بحالة جيدة للبيع) والثاني يطلب (قطة شقراء فارسية لا يزيد عمرها على شهرين بشرط توافر أوراقها الثبوتية كاملةً)، يضعك في منتصف مزاج هذه المدينة!
ولا أقصد هنا الإعلانات المألوفة، التي تدخل في باب احتياجات البشر العادية، مثل بيع البيوت والسيارات وغرف النوم، إنما أقصد تلك التي تحت عنوان "متفرقات"، وتضم سيلاً جارفاً من الإعلانات الصغيرة: فمن لعبة أطفال بحالة جيدة جداً للبيع، إلى كناري بلجيكي لون أحمر مع شهادة صحية، ما يدفعك أحياناً أن تفكر: ربما كانا إعلانين لشخصين من البيت نفسه؛ السيد وخادمه!
وتتدفق الخيالات إن أنت جاريتها، فما الذي يدفع امرأة لبيع فستان خطبتها الذي بحالة ممتازة (ما يعني أنها عروسٌ جديدة)، هي حتماً الحاجة، والجوع، وإنقاذ الزوج من خسارةٍ ما، لكنه حتماً ليس السبب ذاته الذي يدفع لبيع (فستان زفاف غير مستخدم، مزين بـ 500 قطعة ماس، من تصميم فلان الفلاني)!
ثمة بيوت كثيرة تتجاور، مغلقة على أسرارها، لكنها تلتقي هنا في معرض بيع تواريخها الشخصية؛ فلا أحد هنا يستر عورته، ولا أحد يخبئ حاجته، مادام قد توارى باسمه ووجهه خلف رقم هاتف ربما يكون لسكرتيره أو سائقه، .. وربما يكون هاتف الدكان المجاور للذي يعرض (للبيع سرير أطفال خشب لون أزرق استعمال 3سنوات)!
لا أخبئ عليكم أن لديّ فضولاً عارماً كل جمعة أن أقرأ الصحيفة التي أجدها تحت بابي، لأعرف إلى أي حد تصل الحاجة بالناس، والحاجة هنا نوعان: الفقر الذي يدفع بالأب أن يبيع لعبة طفل بحالة جيدة؛ لأن أطفاله جميعاً بحالة سيئة جداً، أو أن يخلع شبّاك الألومنيوم من مكانه ويسدل مكانه حصيرةً أو قطعة قماش ثم يعلن (نافذة ألومنيوم للبيع، درفتين مع الشبك وبكامل البراغي وقطع التركيب)!
أما الحاجة الثانية فهي الشبع حدّ الملل، وحدّ البحث عن شيء ما يدهشني، مثل (مطلوب زرافة - شرط توافر شهادة صحية)!
هنا في هذه الصفحات يجتمع الناس، وأسرح في خيالي لأضعهم في مشهد سينمائي: شحاذون ونبلاء!
فقراء لا يعرفون شيئاً عن سعر اليورو، ولا يفهمون ماذا يعني المثلث الأخضر أو الأحمر في سوق الأسهم، اجتمعوا في سوقٍ واحدةٍ مع أثرياء يحسبون خطواتهم بمقدار، ويجادلون على نوع القطّة!
للبيع: طابع بريد قديم، طاولة بلياردو، وردة أفريقية طبيعية بحالة جيدة، غطاء طفل (هذا تحديداً أصابني بقشعريرة عندما قرأته)، طاولة سفرة دائرية 6 كراسي، رف أحذية خشبي، نظارة شمسية نسائية نوع تيفاني مع كريستال أصلي وكفالة دولية، زوج جرابات صوف رجالي بحالة جيدة، جرّة غاز، فرشاة أسنان على البطارية غير مستعملة، رقم هاتف مميز، غاز ستانليس ستيل 5 عيون، كلبة جيرمين أنثى عمرها سنتان مدربة جيدا (لم أفهم مدربة على ماذا؟)، بيانو ألماني بحالة ممتازة، للبيع كرسي هزاز - للجادّين فقط (مما يدل أنه نشر الإعلان أكثر من مرة وأرهقته اتصالات غير الجادّين)، رواية بحالة جيدة، ستارة بنية اللون بقياس كبير، شورت رياضة بحالة جيدة جدا، إجابات امتحانات الثانوية البريطانية لكل المواد من 1996 إلى 2009، فستان زفاف أميركي غير مستعمل، شبشب حمّام بحالة جيدة، سجادة، كولر ماء، لاب توب، ليفة جلي، شاحن نوكيا، ..
كل هذا أفهمه، تحت بند الحاجة والحاجة المضادة، لكنني أموت وأعرف كيف حصل عليها هذا الذي يعلن منذ 5 أسابيع متتالية عن بيع (قطعة مذهبة من ستار الكعبة – للاتصال هاتف... )!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة إبراهيم جابر إبراهيم جريدة الغد