لا علاقة لكرامة الإنسان بالحداثة وبالتطور العلمي، والذين يروجون لذلك ليسوا خبراء بالسايكولوجيا العربية.
فالبدو معروفون بأنهم الأكثر حمية ونزوعا للغضب إن شعروا باستفزاز لكرامتهم، مع أنهم لا يحملون "لاب توب" تحت العباءة، لكنهم يحملون أرواحا بريئة لم يجر تدجينها! .
وكذا العمر... فالكهول الكبار، الذين عايشوا زمن الثورات والهبات والانتفاضات، لم تتأثر حياتهم بالبراجماتية المعاصرة، وبسياسة المراوغة، أو على الأقل لم تصطبغ حياتهم بـ "العملية" المفرطة التي تميز الجيل الجديد، الجيل الذي ولد أوائل الثمانينيات، والذي "بالتأكيد من دون تعميم" يخوض الحياة بجدية بالغة، همها قياس الأرباح بالخسائر!.
هؤلاء الشباب لا يؤمنون بالحكايا القديمة عن المثل والقيم والأفكار الكبرى وأغلبهم لا يعرفونها، أما من يعرفها منهم فإنه يجادلك بأنها كانت سببا رئيسا في الخسارات الكبرى التي كانوا هم "الجيل الجديد" أكبر المتضررين منها، ويشرحون ذلك بالقول إننا لم نورثهم سوى مشاريع مجهضة، وأحلام رغم أنها خلابة الشكل إلا أنها فاسدة، وأعباء نظرية ثقيلة ينوء أغلبهم بحملها!.
يحمل هؤلاء الشباب قيما بديلة، وهم ليسوا غالبا فارغين أو سطحيين، لكن لهم آراء مثيرة للجدل، فهم يقترحون بالخلاصة خوض الصراعات بالتفوق العلمي والنظري، وليس القيمي، ويعتقدون - أو للدقة بعضهم - أن الأجيال السابقة لم تنجز لهم الأرضية أو المشروع الذي يصلح للانطلاق منه نحو مخاطبة العالم، بل أكثر من ذلك يرى بعضهم أن السابقين خربوا علاقات الأمة بالعالم، وحملوا الجيل الجديد عبء إعادة اصلاح هذه العلاقات!
ويرون أنهم منشغلون الآن بالتحصيل التقني الكافي للتخاطب مع الجزء الآخر من الكون الذي يشعر سكانه بالنفور منهم لأنهم أحفاد لمخربين وثورجية وحربجية!!.
يفضل أفراد هذا الجيل، أو أغلبهم، تجاهل الجانب العقيدي والتاريخي للصراع، ويميلون الى أسس مدينية جديدة للتقارب مع العالم، ويلمحون الى أن فشلنا في إنجاز أي مشروع هو سبب كاف لنزع وصايتنا الفكرية والنظرية عنهم.
يبدو الأمر محيرا، فأنت تستطيع أن تبرر هزائمك بشكل أو بآخر، لكنك لا تستطيع اعتناقها كأرضية لاحقة للحياة، ولا يمكنك إنكار حقهم باختيار طرق تفكير جديدة، لكنك تتساءل عن الأشواق الروحية للحياة، وعن قيمة الفكرة التي كنت تحب أن تستبد بك، وأن ترخص عمرك لها، وعن المكون العقيدي والتاريخي والجيني... أين ذهب الشباب بكل هذا؟! .
أنت لا تستطيع أن تتنازل عن سؤالك هذا، وهم ليسوا معنيين أبدا بتقمص حالتك!!. 

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  إبراهيم جابر إبراهيم   جريدة الغد