والحجاب هنا ليس بحرفيته، وليس بالضرورة أن يكون من قماش سميك، لكنه بالفكرة التي تؤدي إلى ذات المعنى؛ وهي عودة الفنان للفن بعد اعتزال طويل بسبب من الهداية والتقى والورع، وهو هنا حسن يوسف الممثل المصري الشهير أيام الأفلام الرومانسية وشط اسكندرية، والذي تمرّغ طويلاً بالمايوه تحت الكاميرات، فاكتظ أرشيفه بعشرات الأفلام، أهمها تلك التي جمعته بنجمة الغواية الأولى في ذلك الزمان شمس البارودي!
أنا لست متشددا ولا متزمتا، ولا يعنيني إن بقي حسن يوسف في بيته، أو ضعف أمام الحنين للكاميرا والشهرة والأضواء، ولا يعنيني أن يعود حتى لتصوير أفلامه ذاتها أيام الأبيض والأسود، لكن الذي يعنيني كمشاهد ما سمعته من تصريحات لحسن يوسف قبل رمضان، تبرر عودة الشيخ إلى صباه، بأنه يعود في دور يهم كثيرا الأسرة المسلمة! وأنه اقتنع به لصالح هذه العائلة، بما معناه أنه يقدم عمل خير لا يرجو عليه جزاء ولا شكورا!
لكن الصدمة المروعة هي في هذا الحشد من مشاهد العري التي قدمتها غادة عبدالرازق في الشهر الفضيل، والتي لا تسمح بها الرقابة على المسلسلات خارج رمضان، لكن الرقابة بدورها احتمت بلحية الشيخ الوقور، على أساس أنه يشكل حصانة ما للمسلسل!
فلا نفهم مثلا كيف لامرأة عادت للتو من الحج، وتصر على مناداتها بالحجة، أن تلبس في أغلب الحلقات ملابس فوق الركبة بشبرين، وهل ركضُ الشيخ الوقور وراءها بكل الطرق وإنفاق الملايين لأجل ذلك هو... لتثقيف العائلة المسلمة؟!!
وهل شخصية (الحج فرج) المريبة، والمرابية، التي تشتري كل شيء بالمال، وتلاحق امرأة بهذا الشكل من السفور والميوعة هي حقا شخصية ملهمة وعبقرية وذات رسالة إلى حد أنها استطاعت إخراج حسن يوسف من اعتكافه وإعادته للأضواء الحلال!
ولو أراد المشاهد ان يركز قليلاً في الحكاية، ويتجاهل الملابس المثيرة والدلال الفاقع والماجن لهذه المرأة اللعوب، وراح يبحث عن القصة والسيناريو لهذا المسلسل لفوجئ بأنه لا قصة أبدا، وان الحكاية سخيفة وسمجة ولا تستحق أن يسافر باسم ياخور لأجلها إلى القاهرة، وأن مصطفى محرم كاتب السيناريوهات العجوز يظل يراوح في نفس الفكرة الساذجة الهبلة، فهو صاحب مسلسل "الحج متولي" و "العطار والسبع بنات"، وها هو يوقع هذا الأسبوع عقد مسلسل "سمارة" لرمضان المقبل مع غادة عبدالرازق، مراهنا ان تلعب سيقانها الممشوقة نفس البطولة التي تغطي على ركاكة وسطحية كتابته!
ولا ينفصل ذلك بحال من الأحوال عن رزمة مسلسلات تستخف بالمشاهد العربي وتزدريه، فهو الذي ازدراه السياسي واستخفت به الحكومات وتجار الخضار وسواقو الاوتوبيس وتجار الدين والشعارات، فلم لا تستخف به شركات الانتاج فتقدم له مسلسلا مثل هذا، أو مسلسل دكتورة (!) تبحث في الأسواق ومواقف الباصات وعلى درج البناية عن عريس!
فهند صبري في "عايزة اتجوز" ليست أقل امتهانا لعقل المشاهدين، وأعجب كيف لنساء مصر ومثقفاتها ألا يخرجن في مظاهرة ضد هكذا عمل سخيف سخيف سخيف يمرغ بكرامة المرأة الأرض كل ليلة!!
أما المصيبة الكبرى ففي المسلسل الذي قدمته الممثلة المعتزلة المحجبة "صابرين" التي افتت لنفسها بوضع باروكة شعر بدل الحجاب، وهكذا قدمت دورها سافرة من دون حجاب ومحجبة في الوقت ذاته!! فأي استخفاف بالناس هذا، وأي تحايل على الدين؟ وأراهنكم أن هذه الباروكة ستصير قريبا جدا موضة عند البنات المحجبات على مضض، وخصوصا ذوات الشعر المجعد الذي يحتاج عناية دائمة!!
..
لو ان بعض كتاب السيناريو وبعض الممثلين يجلسون كل ليلة أمام درس درامي عميق اسمه (تخت شرقي) كتبته السورية يم مشهدي وأخرجته رشا شربتجي، وان يتعلموا من قصي خولي وسلوم حداد وسلافة معمار ومكسيم خليل، أو أمام معلم عملاق مثل بسام كوسا في حصة يومية من العبقرية اسمها (وراء الشمس)، وأن يحاولوا ان يفهموا ان لكل زمان دراما ورجالا، وان المشاهد ليس غبيا وأن وقته ليس رخيصا الى هذا الحد!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة إبراهيم جابر إبراهيم جريدة الغد