الانبهار بالغرب صار كبيراً ومبالغاً فيه، وتقليدهم في كل تفاصيل الحياة غدا مملاً ويدعو إلى الغيظ.
كأنه ليس في حياتنا وثقافتنا العربية ما يمكن الاعتزاز به أو الانتماء اليه، أو المباهاة به!
وكأن نجومهم وفنانيهم، وعارضات أزيائهم، صاروا جزءا حميما من ثقافتنا وحياتنا وتفاصيلنا اليومية، فلا يهدأ لنا بال، أو ننام حتى نطمئن على ريجيم "سكارليت جوهانسون"، أو نعرف ما آلت إليه قضية "رايانا" التي ضربها صديقها فتورم وجهها وغابت عن حفل جوائز "غرامي"!
لم تعد أخبارنا مغرية بالقراءة، ولم يعد لدينا ما يصلح للنشر، حتى نجومنا العرب يشعرون بالدونية والصغار، فيتحدثون بانبهار عن لقائهم بالنجم الأميركي الفلاني على هامش مهرجان أو مناسبة!
لست متزمتا أو متشددا وأدعو لمقاطعة العالم والانغلاق على أنفسنا، لكن الأمر صار مبالغاً فيه، حتى أنك لا تجد أحدا يتحدث من دون أن يضمن كلامه مفردات انجليزية، مع أن رديفها بالعربية سهل ومعروف، لكن عقدة غريبة من النقص تجاه هذا الغرب حولت حياتنا إلى شعوب بلا هوية فعليا، ذلك أن ثلاثة أرباع العرب يحلمون ليل نهار بـ"الغرين كارد"، ويشتهون لو أنهم ولدوا في كاليفورنيا!
لا يمكن الانقطاع عن الآخر أو الانعزال في زاوية العالم لنعيش وحدنا، لكنني فقط أتأمل في المفارقة، وأشعر بالحزن لأن شخصا واحدا في أوروبا كلها لا يستخدم كلمة عربية ليتفاخر بها أمام صديقته، أو ليبهر بها صبية يعرفها.. كما نفعل.
تسلل الغرب إلى كل تفاصيلنا، وصار جزءا من إعلامنا ومن حياتنا، والتصقت صورهم وشائعاتهم وفضائحهم بشاشات تلفزيوناتنا، وعلينا أن نعرف كل يوم برنامج رحلاتهم الصيفية، وماذا يحضرون في مطابخهم من وجبات، ولماذا يتشاجرون مع زوجاتهم!
مثلاً ... تطالع الصفحة الأخيرة في الجريدة فترى صورة كبيرة لممثلة أميركية شهيرة مع عنوان ضخم (كاترين بلاتر حامل في الشهر الثالث)!!
وأنت تعرف أن عشرين ألف امرأة في بلدك، على الأقل، حوامل وربما في الشهر السادس وليس الثالث، ولكنهن لسوء حظهن نكرات!
أو أن الموسيقار الألماني هانز مينر طرد خادمته لفشلها في إعداد (ديك رأس السنة)، مع أن زوجات كثيرات وليس خادمات تطلقن لأسباب لها علاقة بالمهارات الغذائية.. ولم يعلم بانتهاء "عدّتهن" أحد!
لا أدعو بالتأكيد إلى نشر كشف أسبوعي بالحوامل من الشعب العادي، أو إعداد ريبورتاج حول العادات الغذائية لموظف من الدرجة الرابعة لا يعرفه أحد، فالمثل الشعبي كان أسبق مني بدهر حين قال إن أمرين لا يسمع بهما الناس: فجور الثري وموت الفقير!
الفكرة في بلايين كثيرة من البشر تعيش في الظل، مقابل مئات يسرقون المشهد كاملا!
مئات من البشر القليلين حظوا بالثروات والنساء الجميلات واليخوت، وأغلفة المجلات، وشعوب هائلة العدد تطحن نفسها كل يوم لتزداد تلك الثروات، وتستحم تلك النساء، وتبحر تلك اليخوت، وتباع تلك المجلات!
المراجع
alghad.com
التصانيف
صحافة إبراهيم جابر إبراهيم جريدة الغد العلوم الاجتماعية