لستُ من الكُتّاب الذين يحبذون الدخول إلى الموقع الإلكتروني، لصحيفة أكتب فيها، لتبادل أو تراشق الردود، مع القراء.
ليس ذلك تعالياً أو ترفّعاً، بالطبع، لكنني على قناعة كاملة بأن مساحة الكاتب، تنتهي مع انتهاء السطر الأخير في مقالته، ويكون بذلك استنفد الفرصة التي أعطيت له لإيصال ما لديه، فإذا احتاج بعد ذلك أن يقترض مساحة من تلك المخصصة لتعليقات القراء، ليوضح فكرته، فهذا يعني أن لديه مشكلة ككاتب!
لهذا أتحاشى دائما الدخول لتعليقات القراء ومساجلتهم، فهي مساحتهم المقدسة، التي لا أزاحمهم عليها، ولا أناقشهم فيما يكتبون، فهذه حريتهم وآراؤهم، وأي قارئ يفهم فكرتي بشكل خاطئ أتحمل أنا ذنب ذلك، فهذا يعود لضعف في كتابتي!
لكن الكاتب، وفور الانتهاء من كتابته، ينصرف لممارسة باقي نهاره، كقارئ عادي، بما في ذلك حقه في الدخول إلى مواقعه المفضلة، وقراءة ما شاء من أخبار، والتعليق عليها، مثله مثل أي قارئ آخر!
لكن سوء الحظ لازمني كثيراً في ذلك، وفي حالتين خاصتين آلمتاني جداً، حين دخلت قبل شهور إلى موقع نشر خبر نجاة الصديق والزميل نبيل غيشان من حادث سير، فكتبت سطرين يعبران عن مشاعري تجاه صديقي العزيز، خصوصاً وأن الغربة تجعل المشاعر أحياناً أكثر حميمية وصدقا!
لكن التعليق لم ينشر، فافترضت النية الحسنة، وأعدت كتابته، ولم ينشر، .. حتى تكرر الأمر قبل أسبوعين حين نشر خبر إصابة صديقي القديم، والحميم، سمير أبو هلالة بالمرض، وإقامته في مركز الحسين للسرطان، والذين يعرفون علاقتي بالجنوبي العنيد سمير هم وحدهم يستطيعون تقدير حجم ألمي.. فكتبت تعليقا على الخبر، تعرض لنفس التجاهل، فكررته أربع مرات، ولم ينشر!
أعرف أن القائم على تحرير الموقع لا يحبني، وصدقاً لا أعرف لماذا، لكنني أستغرب من هذا الاستبداد الذي يمارسه قائمون على مشروع يقدم نفسه كصاحب رسالة، ومدافع عن الحريات!
ولم أعرف قبل ذلك وسيلة إعلامية تعطي نفسها الحق في اختيار قرائها، إذ ربما يفكرون لاحقاً بوضع خانةٍ جديدةٍ عند اسم المعلق تطلب اسم "البلدة الأصلية"!
وفي ذات السياق، أعني الحديث عن تعليقات القراء، أود أن أشير لتعليق تردد كثيراً، ومن قراء كثيرين، يتساءلون عن سر اتجاهي للمقالات الاجتماعية والإنسانية، وفي العراق حربٌ وفي فلسطين احتلال وفي اليمن وفي السعودية وفي ايران وفي وفي وفي ... ولماذا لا أكون بحجم المسؤولية الوطنية وأكتب عن معاناة هذه "الأوطان" العربية، ولا يجوز أن أتجاهل الحرب الباردة (ولكن المخزية) بين فتح وحماس، وهذه النقطة بالتحديد أود هنا أن أوضحها جيداً، وهي أنني كاتب مولع بالسياسة أكثر من أي شيء آخر، والمتتبع لكتاباتي منذ سنة ???? يعرف ذلك جيداً، لكن موقع هذه الزاوية، في هذا الملحق، لا يحتمل الكتابة السياسية دائماً، وهذه أيضاً تعليمات الصديق رئيس التحرير، الصارمة، الذي همس لي أكثر من مرة أن مقالاتي السياسية تسببت له وللجريدة بما هو أكثر من الصداع، والصديق رئيس التحرير يصير هنا من أولي الأمر الذين وجبت طاعتهم!
.. وفي الحديث عن التعليقات، أيضاً، أنني كنت أجد بين أسماء المعلقين، دائماً، اسم طفلة في العاشرة، تقرأ كل مقالات "الغد"، وتعلّق على أغلبها، بلغة غاية في الفهم والنضج والأدب، وكم كنت فرحاً بها، وبوعيها المبكر، الذي لم ينتقص من عذوبة كلماتها الطفولية الرقيقة، لكنني افتقدتها في الشهور الأخيرة .. وأحببت أن أبوس خدّيها هذا الصباح وأقول لها "كيفك نوران ملكاوي؟ هل أنت بخير؟ اشتقنالك".

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  إبراهيم جابر إبراهيم   جريدة الغد