ما يزال القصف متواصلاً! والمذيع على الشاشة يسأل الشيخ: هل تُفطّر القطرة في الأنف؟ الشيخ يضع رِجلاً على رِجل ويستفيضُ في الفتوى... الدم يرشق الجدران والمذيع يسأل: الدم الذي ينزل من اللثة هل يفسد الصيام؟! الشيخ يضع كفّاً على كفّ ويستشهد بـ "الصحاح" وبـ "الترمذي"، وبأطباء الأسنان منذ الرازي وحتى وجدي البرغوثي... ثم يبتسم عن فمٍ بلا أسنان!
ما يزال القصف متواصلاً! فالحرب توقفت فقط لتأخذ عطلتها الأسبوعية! الشوارع تكتظ بالأطفال القتلى... والمذيع يسأل، هل بول الرضيع على حضن أمه يفطّرها؟! وما تزال الأسئلة تتواصل... كأن الإسلام بُعث أمس، أو كأن رمضان تقرر الشهر الماضي. لكن لا أحد يعبأ بدم الرضيع، ولا بالذبيحة أمه! والحرب تركت أوزارها الثقيلة في الشوارع؛ لم تغتسل غزة من دمها بعد، ولم تبرأ بغداد من سقوطها... وكذا الناس في الشوارع لم ينزلوا الحرب عن ظهورهم!
ومن فاتته متابعة الحرب، والبكاء على ضحاياها، يتابع بحرقة أحداث "باب الحارة"، ويقوم بأداء الفريضة ولو متأخراً! ليس من أجل الضحية، إنما ليشعر هو بالراحة، وبأنه أدى واجبه، وقام بحصّته من الواجب الوطني والقومي، و... ليستطيع هو أن ينام!
متصلٌ تبدو اللهفة والجزع في صوته يسأل: المسافر بالطائرة هل يجوز له ان يفطر؟ فيما طائرات العدو تجري مناورات واسعة استعداداً لحربٍ جديدة... كما يقول خبر على الشريط، أسفل الشاشة، عند رُكبة الشيخ بالضبط! الحرب تغيب في اجازات غامضة، لا تستمر طويلاً، ربما ما يكفي لينجب الناجون أطفالاً أصحّاء يكفون لمجزرة جديدة.
ذات الأسئلة نسمعها منذ الثالث الإبتدائي: اذا لحست المرأة مغرفة الطبيخ... هل يفسد صومها؟ وإذا أمسك رجل بيد زوجته هل يفطر؟ وإذا نظرت المرأة من ثقب الباب... أو سلّمت على سِلفها... أو اغتابت بنت حماتها... والقصف ما يزال متواصلاً! الصواريخ تدّك المباني، والمشافي، ودور الحضانة، والداجنون الأليفون يُصفّقون لمدفع الإفطار! وتلفزيوناتنا منذ ألف عام تعيد نفس البرامج... القصف يتواصل، و... الفضيحة أيضاً تتواصل!... وما من أحدٍ يسأل: هل يُفسد القصف الصيام؟!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة إبراهيم جابر إبراهيم جريدة الغد