أكثر من أربعين سنة من المشي الخطأ، بالساق الخطأ، في الطريق الخطأ!
وإرسال رسائل الى المرأة الخطأ، في العنوان الخطأ.
كومةٌ من الأخطاء في خانة الاسم، وتاريخ الولادة، وجيوب القميص.
في الهوى، والبيوت، وكأس الشاي، والكتابة، ومقاعد الطائرات، وفي اختيار نوع الخبز لوجبة الإفطار.
سفرٌ كثيرٌ، أيضاً، بالحافلات الخطأ، من الـ "هناك" إلى الـ"هناك"،..لم يكن لنا أبداً يوماً:"هنا"!
لا أحمل من أثاث عائلتي غير حكايات خسرانها، ولا أتذكر من  احتفالاتهم غير الجنازات، ولم ينادني أبي يوماً ليقول لي: هذا اسمك الحر.. احمله وحلّق به، طر إلى ما شئت!
كان اسمي لأربعين عاماً مخبأ تحت الوسادة، خوفاً من هراوة الشرطي، وسخط الملاك القابع فوق الكتف اليسرى، وأعين الجيران، وحسد الخالات، ونقمة احدٍ ما.. لا يروقه اسم جدي أو لون عين جداتي!
أكثر من أربعين سنة من الحرب الخطأ، والانتصار في المعركة الخطأ، ودفن موتانا في المقبرة الخطأ، والهتاف للبطل الخطأ!
لسبب ما، كنت أحس أن عليّ الاعتذار كل يوم، لأحدٍ ما، عن وجودي، وعن الضجيج الذي أسبّبه في هذا الكون المدوزن جيداً، وعن أخطائي الفاحشة الكثيرة التي هي حتماً تعكّر ليلاً رائقاً.. لأحدٍ ما!
دائما ما أحسست أن عيناً كبيرة، ترقبني، وعليّ بالتالي أن أرتب ملابسي، وأغسل فكرتي من احتمالات تأويلها، وأدقق جيداً في كلامي!
كنت أرى العين، كثيراً، ما تمدّ لسانها لي، تماحكني، أو كأنما: ما الذي تفعله هنا؟ و..ما الذي تفعله وأنت فتى طريّ العود بكل هذه الأخطاء؟!
 يتلفتُ الفتى خلفه: يا الهي...كل هذه الأخطاء لي؟
أربعون سنة من الضلالة العاطفية، ومن رسائل بريدية لا تصل، ومن ضياع الحاجيات في التباس العناوين،..ومن الركض بالساق الخطأ حاملاً فكرتي الخطأ على الظهر الخطأ!
اربعون سنة وأنا أنحت أصناماً من تمرٍ غير صالحٍ للأكل!
و..كنتُ أحبُ أخطائي، وإذ أخلو بهنّ أحتضنهن بحنوّ كأنهن شقيقاتي الصغيرات!
للخطأ مذاقٌ لذيذٌ، ولاذعٌ، تحت اللسان، مثل حُبيبات السُمّاق، ويترك رعشةً شهيةً على باطن القدمين... حين نُقدم رِجلاً ونؤخر أخرى!
أكثر ما يؤلم أن تصحو..أنا لا أريد أن أصحو، لا أريد أن أرى بطلي يتزوج وينجب أطفالاً ويمشي في الأسواق، ولا أريد أن أصدق أن معركتي كانت حلقة من حلقات (الكاميرا الخفية)، وأن موتاي الذين صفقت لهم كانوا كومبارس رخيص الأجر..في تمثيلية رديئة السيناريو!
الحقيقة ليست دائما طيبة المذاق..وأخطائي التي رتبتها في خزانتي أربعين سنة، هي لي تشبه النياشين والأوسمة؛ لامعةٌ، وبرّاقة، و..أستحقّها!
أكثر من أربعين سنة وأنا أقرع جرس البيت الخطأ!
****
من أنا بلا أخطائي؟ … ولدٌ أحمقٌ يهجس برضا مدير المخفر وإمام الجامع وحارسين عظيمين عملاقين يتربصان وجثتي ما تزال ساخنة أن يسألاني: لماذا خمشت التفاحة بأسنانك القاسية؟!
*عنوان المقالة مقتبس من عنوان مجموعة قصصية قديمة للصديق يوسف ضمرة "المكاتيب لا تصل أمي".

المراجع

http://www.alghad.com/articles/539678-[%D8%B1%D8%BA%D9%8A%D9%81-%D8%AE%D8%A8%D8%B2%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%B1%D9%88%D9%82%20%20%20%20%20%20%20%20%20%20%20%20%20%20%20%20%20%20%20%20%20%D8%B1%D8%BA%D9%8A%D9%81%20%D8%AE%D8%A8%D8%B2%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%B1%D9%88%D9%82%20.. جريدة الغد]

التصانيف

صحافة  إبراهيم جابر إبراهيم   جريدة الغد