دائما يبدو الموضوع الديني فخاَ شديد الخطورة، يحاول كثيرون تجنب الصداع الذي قد يسببه لهم التورط فيه، فيلجأون للحل السهل: الكاتب يبحث عن موضوع شعبي جذاب، والقارئ يخاف حتى من قراءة ما يخالف موروثه مما سمع وحفظ وتم تلقينه منذ الطفولة، ورؤساء التحريرغالباً ما يتهربون بلباقة من هذه المغامرات، وتبعاتها، مراعاة لمشاعر أطراف كثيرة، ومؤثرة!
لكن الكاتب الذي يُبقي السائد سائداً، ولا يرمي حجراً في البركة الراكدة، ولا يخدش هدوء القارئ، أو يدفعه للانتباه، بل واتخاذ موقف حاد سواء معه أو حتى ضده، هو كاتب بلا مذاق، وبلا أثر، ومثير للشفقة.
وقد توقفت بإعجاب عند مقالة الزميل سامر خير “انهم يستعدون لرمضان”، حين اختار أن يقفز برشاقة بين الألغام، وأن يتنكب وعر المسالك، فتحدث عن بعض الخطباء السذج والأميين الذين سرقوا بعض منابر المساجد، لا مؤهل لهم سوى حفظ جزء من القرآن، ودشداشة قصيرة، وسواك طويل!
كثيرون يشهرون سلاح الدين في وجهك إن أنت انتقدت أي مظهر له علاقة بالدين، فلا يفصلون بين فكرة الإسلام وبين ممارسات المسلمين، ويصرون، كما قال خير، على ربطه بمشهدية تاريخية انقرضت منذ 1500 عام، رافضين له أن يستخدم أدوات العصر أو تسخيرها لصالح الدين.
مع أن الحضارة، ومفردات العلم، وتجلياته، لا تتناقض مع الدين، وكنت مرة قد تساءلت في مقال لي، لو كانت قد اختُرعت الألغام المضادة للآليات، ألم يكن المسلمون ليستخدمونها ؟!
فلماذا يصرّ أئمة وخطباء بعض المساجد على إلصاق الدين بالماضوية والرعوية والتقشف، مع أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، كان يلبس الخواتم ويضع العطر ويحبه، ويسابق بالخيل، ويلاعب بالسيف، ويستمع للشعر، وهي أقصى مظاهر التمتع بالحياة آنذاك؟!
أما الآن، وفي ظل ترويع الناس وترهيبهم من التعرض لأي مفردات لها علاقة بالدين، أو انتقاد أي مظهر مرتبط بطبقة الشيوخ، فقد انضم إمام المسجد أو الواعظ إلى المقدسات التي يحظر الاقتراب منها، ويتم تكفير من ينتقده، حتى لو أخطأ هذا الرجل في قراءة الفاتحة، أو في الحديث النبوي، أو لو كانت دشداشته منفرة، أو لو كان أمياً لا يعرف من الدنيا غير بضع آيات أو أحاديث يحفظها من دون أن يتفقه في تأويلاتها، لكنك تجده يقف على المنبر بفوقية واستعلاء، رغم أن بين المصلين المثقف والمهندس والطبيب والسياسي والأكاديمي والذين لا يجوز التعامل معهم كأنهم صبية. وأتذكر أنني منذ سنوات كنت أرتاح لخطيب مسجد، وأحب حضوره، لكنني كنت أشعر بوخزات حادة في جنبي وأنا أسمعه ينصب الفاعل ويرفع المفعول من دون أن يرف له جفن، وبعد تردد استمر أسابيع انتظرته بباب المسجد، ونصحته بأدب جم وتبجيل أن ينتبه لذلك لأن معنى الآية أو الحديث ينقلب تماماً، ويؤدي معنى مغايراً ومناقضاً، لكنه سمعني وهو ينظر إلي بامتعاض، مستمداً هيبةً وترفعاً من حفظه لبعض الآيات، معتقداً أن كونه يخطب في الناس يجعله أكثرهم علماً وفقهاً وجدارة بالتحليل والتحريم!
ألا يمكنني إذا قراءة بضع صفحات على الانترنت من كتاب فقهي محكم ومتنور، بديلاً للاستماع ناعساً وضجِراً لرجلِ سلاحه الوحيد في آخر خطبته الدعاء والدعاء ثم الدعاء!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة إبراهيم جابر إبراهيم جريدة الغد