يا أخي لا نريد الدفاع عن فتح..لتذهب فتح والسلطة والمنظمة إلى الجحيم! ما داموا هم الذين باعوا فلسطين (حتى وإن انباعت قبل تأسيس فتح)، وهم الذين سمموا ياسر عرفات (حتى لو قالت اسرائيل إنها هي منْ فعلت ذلك)، وهم الفاسدون المفسدون في الأرض، سرقوا ونهبوا ودمروا وخرّبوا وقتلوا... واخترعوا فيروس انلفونزا الخنازير في مختبراتهم.
لكن ما الذي تفعله حماس الطاهرة النقية العفيفة التي لا يأتيها الباطل من خلف يديها ولا رجليها؟! ما الذي يحدث في القطاع بالضبط ؟! يا أخي أليست حماس حركة دينية؛ وبالتالي تعتمد القرآن والسنة وأخلاق الإسلام، وليست فاسدة كافرة كالآخرين .. فلماذا يخرج مذيعوها على فضائية “الأقصى” بأقذع الشتائم للآخرين “الخونة في الضفة”.. فالرسول محمد لم يكن هو وصحابته، يهينون عدواً أو يشتمونه، أو يتهمونه دون الأخذ بالحجة والبرهان. ثم إن حماس حركة تقدر الفن والثقافة؛ كما تبين هذا الأسبوع إذ بدأت دور السينما في غزة عرض فيلم من انتاج الحركة ومن قصة وسيناريو وحوار محمود الزهار!! فلماذا استضافت فضائيتها في الثامنة مساء الثلاثاء الماضي شاعراً مراهقا لم يبلغ العشرين من عمره يشتم محمود درويش في ذكرى وفاته، ويقول إنه كتب قصيدة موجهة لدرويش عنوانها “اعتذر عما فعلت”، وقال حرفياً إن “الصحف من البحرين إلى موريتانيا نشرتها في صفحاتها الأولى .. وقامت الدنيا لأجلها ولم تقعد”، وقرأ المدعو عبد الرحمن يوسف مقاطع منها، قال فيها مخاطبا الراحل درويش “وأنت تبيع أثداء أمك التي كنت تحن لقهوتها في أندية القمار”.. فما كان من المذيع الحمساوي، الملتحي والمتدين جداً، إلا أن استحسن القصيدة هاتفاً: الله..الله..الله عليك، أحسنت يا أستاذ عبد الرحمن!
ليذهب الدم الواحد، أيضاً، الى الجحيم، ولتذهب العلاقات الأخوية بدورها إلى جهنم، فهل هذه الشتائم لمحمود درويش وأمه، في ذكرى رحيله، هي من أخلاق الإسلام والمسلمين؟!!
كان محمود درويش أكبر قامة من كل اختلاف، أو خلاف، مع أحد أو تيار أو حزب فلسطيني رغم كثرتها ورغم كثرة أسباب الخلاف، ورغم أن الفصائل اختلفت على كل شيء، كل شيء، لكنها اتفقت كلها، على محمود درويش!
كان الرجل ضلعاً ثالثاً لخريطة بلد مكونة من ضلعين عموديين فقط، حتى أن أحد النقاد قال يوماً “إن شعراء المقاومة كلهم اتكأوا على فلسطين، إلا درويش ففلسطين اتكأت عليه”، من هنا يمكن قراءة درويش كتجربة شعرية زامنت التراجيديا الفلسطينية، وتأثرت بها، وأثرت فيها، وأثرتها، من دون أن “تستغلها” كوظيفة من أجل اختراع مشروع أدبي يدفع بصاحبه إلى منصات اللغو..والكلام.. الكلام الكثير الذي قيل في رثاء الشهداء ومديح شجر الزيتون ووصف قبة الصخرة الخ الخ! درويش غير ذلك تماماً.
كونه شاعرا صاحب مشروع فكري وثقافي وجمالي، ولد في مناخ قومي ووطني يعاني من “احتلال بليغ”، لكن القضية التي وصفت دائماً أنها الأكثر عدالة في العالم، لم تسرقه من لغته ومن دهائه الجمالي ومن إنسانيته الواسعة، كذلك لم تكن فكرة فلسطين الشهيدة والفقيدة لتغريه أن يظل سجيناً في بكائياتها، وأن يظل يندب أرتال الموتى الذين يتراكمون على أعتاب البيوت والبلدات كل يوم!!
كان هدفه مغايراً، حمل فلسطينه معه، وذهب إلى العالم: هذه جثتي الشخصية، وهذا أنا، وهؤلاء الأشقياء أخوتي الذين خلقوا “من جزمةٍ أفقا”!! حماس، وفضائيتها، ومذيعها الساذج الغر، مطالبون بالاعتذار من فلسطين، ومن ظلال محمود درويش التي بطول الخريطة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة إبراهيم جابر إبراهيم جريدة الغد