"الفيس بوك"..عالم غني وغرائبي وغير متسامح!
يجعل تواصلك مع الناس سهلاً بشكل يثير فزعك، في الوقت الذي خيل لك للوهلة الأولى أن إقامة كل هؤلاء "الضيوف" في صفحتك ستشعرك بالطمأنينة!
حتى وقت قريب كنت أسمع المصطلح ولا أعرف ما المقصود به بالضبط، ثم وجدتني بمساعدة أصدقاء أحظى بصفحة شخصية لي، وصفحة أخرى لكتاباتي أنشأها أصدقاء محبون!
وتدريجياً تعلمت كيف أضيف أصدقاء جدداً، وأكتب على "الحائط"، وأضع صوراً أو مقتطفات، لكن ما استوقفني فعلاً هو أن بإمكانك أن تضيف لرصيدك يومياً الكثير من الأصدقاء، الذين تختارهم حسب اهتماماتك، وتساءلت:هل حقاً استخدمت كلمة "إضافة صديق" هنا بمعناها الواقعي؟!
وهل سيصبح ذلك الذي تختاره صديقك فعلاً، بعيداً عن تفاوت المستويات والمناصب والتباعد الجغرافي؟ هل سيلغي "الفيس بوك" الحدود والمطارات ويسكن الناس في قرية افتراضية، يجتمعون في ساحتها المرفهة بالموسيقى والصور واللوحات، ويتبادلون الكلام وكل منهم ممدد الساقين على أريكته؟!
هل لهذا الحد صار العالم أصغر والناس بالمتناول؟
تستطيع ان تقول نعم، بل إن مواصفات الناس الحقيقية انتقلت إلى عالمهم الافتراضي، فالسطحي منهم يظهر ذلك في اختياراته لما يكتب أو ما يقتبس، وكذلك الثرثار الذي لا يتردد في وضع عشرات الكتابات له يومياً على الصفحة، والأحمق الذي يتوسل رضا النساء وإعجابهن بعبارات بلهاء، أو بأغنية لعبد الحليم!
البعض يدخل لمجرد الدردشة، كأنه واقف على بلكونة منزله، أو في محطة لغسيل السيارات، وبعضهم تحسه يحمل صحن "المكسرات" على حِجره ويتمطى في غرفة الجلوس بالبيجاما!
بصراحة..مخيب للآمال الاستخدام العربي لهذا الموقع، وحتى لا أكون متجنياً فأنا أعني تحديداً بعض المجموعات التي أتواصل معها، فالهذر والثرثرة المجانية والتفرغ للتسلية غير المنتجة هي الهاجس الأكثر رواجاً في هذا العالم الصغير الأضلاع، باستثناء بعض الأسماء التي تتبنى مشاريع رؤيوية أصيلة مثل رائد دبس وباسمة بطاط ونعمت الناصر..مثلاً، الذين استطاعوا بفهم عبقري واقتدار تسخير هذه التقنيات الحديثة لنشر فكرة ذات بُعد ثقافي أو رسالي!
هذا فضلاَ عن الخيبات الطريفة التي تصادفها مثل أن تجد قيادياً فلسطينياً مهماً كتب ضمن خانة اهتماماته موسيقى الجاز والأفلام والمسلسلات الكوميدية، ولم يتذكر تراث بلاده وثقافتها وحضارتها بكلمة واحدة، أو تجد مثقفين كباراً (أو يفترض) يتحمسون لنزعات انفصالية وجهوية ضيقة، أو أصدقاء بلا اهتمامات يضعون لك صوراً لعارضات أزياء بغرض التصويت لواحدة منهن! أو أن بعضهم بلا أي داعٍ يضع صوراً لثلاثة زعماء، أو شعارات لثلاثة أندية رياضية، أو أنواع سيارات، بل إن البعض وضع القرآن الكريم والإنجيل والتوراة ودعا للتصويت لواحد منها!
هنا في العالم الافتراضي هذا تصادف حماقات كثيرة مدججة "بالهبل" والعبط والإدعاء، كما تلتقي بكثيرين تضخمت لديهم الأنا حتى صاروا يعتقدون أن كل عبارة ينطقونها هي قول مقدس ينبغي تأميمه ونشره في الناس.. تعميماً للفائدة!
لكنه بالمجمل عالم غني.. يستحق المرور به، واعطاءه بعضاً من وقتنا، وأن نفكر كيف نطوّعه لخدمة ما نهجس به، وما يوصل فكرتنا وآراءنا للآخر، من دون ابتذال، ودون أن نتعامل معه كاختراع كوميدي نعلق على حائطه سذاجات غبية، أو أن ندخل اليه بـ "كيس ترمس" مثل أي حديقة عامة!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  إبراهيم جابر إبراهيم   جريدة الغد