هل أبدو كهلاً حين أضحك؟!
يفزعني أن تقولي لي نعم.
لم أنتبه قبل ذلك، كنت أظن قمصاني الملونة تنجح في خداعك.
هذا هو العمر، يا صديقتي، ليس أكثر من غرفة انتظار، قد تكون أكبر... أصغر... أضيق.. مما يشتهي الجالسون، لكن منطق الإقامة في هذه الغرفة، المنطق الذي تم التراضي عليه قبل دخولها، هو أن واحدا سيخرج في كل لحظة، بل إن سربين منتظمين سيبقيان يتقابلان على العتبة: اؤلئك الذين يندفعون داخلين وهم يتضاحكون ويضجون بالعنفوان الصبي.... واؤلئك الذين يُجرّون من ياقاتهم الى خارج المبنى بالكامل!
أتذكر كيف حظيتُ بالدخول الى هنا، كنتُ تلقيت وعوداً وضمانات بأنك ستكونين هنا، وكم ابتهجتُ إذ ظفرت بالفرصة النادرة!
لكن الذكرى ذاتها تثير القلق، فهي تذكرني بالاتفاقية التي ارتضيتها: سأخرج حتماً لأتيح لمشتركٍ جديد الانخراط في لعبة البهجة!
لكنه لن يكون لحياته أي مذاق إن لم يلتقيك، وآمل أنك في تلك اللحظة، إن تعثّر بك، ستتذكريني، فتفاجئك دمعة خفيفة، وتشيحين بوجهك عنه، وتعتذرين : لديّ زيارة ضرورية للمقبرة!!
..
تراودني أحياناً رغبة عارمة، أو هو حُلمٌ شَجّي: أن أكتشف عِليّة خفيّة في سقف الغرفة تستطيع أن تخفيني..!
لطالما أحببت حلمي هذا، وبقيت أحدق في تفاصيله، وفي السقف الأزرق الرائق، مُتعجّباً: هل من المعقول أن هذه الغرفة الهائلة الأرجاء جداً ستعدم الحيلة لو أرادت أن تستضيفني لسنوات أخرى؟
واحتجت وقتاً طويلاً لكي أفهم أن الحلم الشجيّ يراود كل سكان الغرفة، والسقف الأزرق كان نهباً لملايين العيون التي تُقلّبه بفزع، بحثاً عن عِليّة خفيّة!
أنهض في الصباح منهك المخيلة، ذلك أني شقيت في الليلة الماضية: كنتُ أرتب دَرجاً في الخيال.. أو أقترح جبالاً بعيدة... أو أني ابتنيت بيتاً ذا لون مخاتل، المهم في المسألة ان أرتب حيلةً مناسبة للهروب من الغرفة عند تفقد الأعمار، لكي أبقى معك!!
...
في العاشرة: كنتُ أنام وأترك عمري مرمياً بإهمال (مع حذاء الرياضة المهترئ) عند باب البيت، ما كنتُ أخشى عليه!
في العشرين: أتذكر كنتُ أغار من حكمة يدعيها الاربعينيون، ومن الأمراض المهمة، ومن وسامةٍ ما كانت تميز أساتذة الجامعة فتجلب اهتمام الطالبات!
في الخامسة والعشرين: صرتُ أريد أن أكون أكثر تجهماً، يلزمني بعض الشيب إذاً، وبعض الصرامة، ما يزال لدي الكثير من الوقت!
في الثلاثين: تحديداً في اليوم الأول مباشرة بعد الثلاثين، توجّستُ!!
في الخامسة والثلاثين: كنتُ تأكدتُ خلال السنوات الخمس الماضية أن أمراً ما يُبيّت ضدي!!
في الأربعين وما تلاها: تفتح كفّيك مستسلماً للريح...ها إني أدور في الغرفة كالفراشة المفزوعة، ولا شمعةٌ خفيفة الضوء أُحمّلها دمي..