لماذا لا تفكر دوائر المناهج العربية بإضافة كتاب جديد ومُهمّ للكتب المدرسية والجامعية، يكون اسمه "فن الاختلاف"؟!
ربما لم نكن قبل ذلك بحاجة هذا "الكتاب"، لأن "الكلام" كان في حدوده الدنيا، ولم نكن مضطرين لتعلّم "أخلاق الاختلاف"، كوننا كشعوب لم نكن طرفاً في الحوار، ولم يكن رأينا مطلوباً؛ لكنه الآن وبعد انتشار ثقافة الربيع العربي، وبعد أن صار بائع الخضار محللا سياسياً بعد انتهاء الدوام، صار لزاماً علينا ان نتعلم اخلاق وفن الحوار والاختلاف والنقاش!
الذي يحدث الآن على صفحات التواصل الاجتماعي، وبرامج الحوار التلفزيوني، وعلى الشريط الذي تبثه بعض الفضائيات التفاعلية، يشعر المشاهد غالباً بالخزي، لهذا المستوى من الشتم والتحقير والإهانات التي يمارسها نفر من الناس باستمرار، وعلى مدار الساعة، للتعبير عن (آرائهم) الوطنية والسياسية أو حتى التعبير عن (آرائهم) في نص أدبي!
وهو شيء متوقع حين يرغب الجمع كاملاً بممارسة العمل الخطابي والوطني، بمن في ذلك من لا يملك أدوات الخطاب، ولم يتدرب عليه قبل ذلك، ولم يمارس الرأي والنقاش، حيث هبطت نعمة الحرية على الناس فجأة؛ فداهمتهم وهم ما يزالون بلسان عَيِيّ، ولم يخوضوا قبل ذلك في شأن عامّ او يتصدّوا للنقد والمحاسبة، شأنهم في ذلك شأن من يتعلم الكلام اول مرّة!
يحدث هذا لأن الناس في أغلبها، كما يبدو، تفهم الحرية انها شتم الخصم وتجريحه، والتطاول على ما استطعنا من اسماء تخصّه، وهذه هي بضاعة من لا يملك من رأسه غير لسانه، فحين يتقدم للحديث من لا يملك قدرات التفكير والتحليل والقراءة والموضوعية، وحين تستبد شهوة الميكروفون بالناس، فيتصدى الكل لحمل لقب "باحث" أو "محلل" أو "مختص"، يقع المشاهد أو المتابع ضحية لخطاب غوغائي مبتذل، مكون أساساً من الشتيمة والاعتداء على الشخص لا على موقف الشخص!
أستغرب جداً حين أقرأ شتائم بذيئة، على شكل مقالات، أو عبارات على "الفيسبوك" وغيره، او تدبيج صور ومقاطع مصورة، تهين دولة أو شعباً، أو تتعرض لعائلة زعيم أو زوجته أو ابنته، وان يكون الموقف السياسي في مجمله عبارة عن سخرية من اسم زوجة الرئيس الفلاني او من ملابسها أو لونها!
لم نتعلم ثقافة الاختلاف، والنقاش، ونذهب للحوار دائماً بإصرارٍ عنيد على الفوز، حيث لا نيّة أبداً لسماع الآخر بعقلٍ مفتوح، كما ان الآخر يأتي مُسلّحاً بنفس الأدوات!
ندخل للحوار بموقف مسبق من شخص ما، او بلد ما، أو شعب ما، ولا وجود للموضوعية أبداً في حواراتنا، فواحدنا قد يبني موقفاً مثلاً من الشعب المصري لأنه اختلف قبل خمس سنوات مع مستأجر مصري في بنايته، أو يقرر أن العراق كاملاً دولة وشعباً وأسواقاً وتاريخاً وشعراء هو بلد طائفي لأنه احتدّ مع عراقي على مقعد في الباص، أو يقاطع المسلسلات الكويتية لأن سفره للكويت فشل في ساعاته الأخيرة، ولم يحظ بفرصة العمل المنشودة فصار يشتم كل دول الدشاديش البيضاء!
ثقافتنا في الاختلاف تبدو أحياناً سخيفة ومضحكة؛ وتدعو للرثاء، وتجعلك تشفق على "حق الكلام" حين تضعه في يد الأهوج الذي لا مفردات لديه ولا خطاب ولا موقف، فلا يجد غير الوقوف زاعقاً على الناس، شاتماً أعراضهم وبيوتهم وآباءهم، كأي أحمق انفلت من صاحبه في السوق وراح يعضُّ في أطراف المارّة!
 

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  إبراهيم جابر إبراهيم   جريدة الغد